جنيف - حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مما أطلق عليه "ردّة أوروبية في التعامل مع طالبي اللجوء" أخذت بالتصاعد بشكل كبير في الشهرين الأخيرين، ولا سيما منذ بدء العام الجديد 2016، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى التقدم خطوة للأمام وإنهاء حالة التخبط بين أعضائه من خلال وضع سياسة موحدة في التعامل مع طالبي اللجوء، بما يتوافق مع حقوق اللاجئين وحمايتهم كأولوية بالتوازي مع الاعتبارات الأمنية والاقتصادية الأخرى.

وأوضح الأورومتوسطي (مؤسسة أوروبية حقوقية مقرها جنيف) أن الدول الأوروبية، والتي استقبلت في العام الماضي أكثر من مليون و31 ألف طالب لجوء، عليها أن لا تنسى أن الدول المجاورة للأماكن التي يخرج منها طالبو اللجوء تحمل عبئاً كبيراً منذ عدة سنوات وما زالت تستقبل أعداداً أخرى من اللاجئين، بالرغم من أنها تعاني من أوضاع اقتصادية وربما أمنية أكثر سوءا وأقل استقراراً من تلك التي تعيشها دول الاتحاد الأوروبي.

وقال الأورومتوسطي إن الإجراءات المشددة الآخذة بالتصاعد في الاتحاد الأوروبي منذ أشهر شملت سن قوانين صارمة بهدف تنفير طالبي اللجوء وتضييق الخناق عليهم ورفع الأسلاك الشائكة في وجوههم، إضافة إلى فرض الرقابة على الحدود لإيقاف تدفقهم إلى البلاد، عدا عن موجة الكراهية الآخذة بالازدياد والتحول إلى مظاهر عنفية بحق طالبي اللجوء حتى على صعيد أكثر البلدان ترحيباً باللاجئين كألمانيا والسويد.

ففي ألمانيا، أعلنت السلطات المحلية الألمانية مع بداية العام الجاري عن اتخاذ قانون يسمح بمصادرة مقتنيات طالبي اللجوء من أجل تمويل تكلفة إقامتهم، حيث تم تطبيق القرار في ولاية "بافاريا" التي تصادر النقود والمقتنيات التي تزيد قيمتها عن 750 يورو، وفي ولاية "بادن ويتنبيرغ" التي تصادر ما تزيد قيمته عن 350 يورو. واتخذت ألمانيا إجراءات أكثر تشدداً تجاه طالبي اللجوء ذوو الحماية المؤقتة، ومن ذلك منعهم من ضم عائلاتهم إليهم مدة عامين.

ومع تصاعد واضح في حجم الأحزاب المناهضة لسياسة استقبال اللاجئين والمهاجرين، تعرض طالبو اللجوء في ألمانيا لاعتداءات مختلفة شملت حرق مساكنهم وتدمير ممتلكاتهم، حيث سجلت مصلحة الشرطة الجنائية أكثر من ١٠٠٠ حالة اعتداء في عام ٢٠١٥ على مراكز إيواء اللاجئين، في ازدياد يقدر بـ ٥ مرات عن العام الذي سبقه.

أما النمسا، الجارة الملاصقة لألمانيا، فقامت بنشر حوالي خمسمائة جندي على معبر سبايفيلد الحدودي الرئيسي مع سلوفينيا للمساعدة في التدقيق في هويات المهاجرين، وذلك للحد من أعداد المهاجرين الراغبين بعبور أراضيها للانتقال إلى البلدان الاسكندينافية، وهو ما تقوم به ألمانيا حالياً. كما قررت وقف سياسة الباب المفتوح في التعامل مع طالبي اللجوء، من خلال تحديد حصة بلغت 37.500 طالب لجوء للعام 2016، بحيث يتم إغلاق الحدود بعد استكمال العدد، مع توجه لطرد 50 ألفاً قالت النمسا إن طلبات لجوئهم لم تُقبل.

وفي السويد، أحصت الشرطة السويدية منذ تموز العام الماضي 43 حادثة حرق لمراكز إيواء اللاجئين لديها في موجة عدائية يشنّها اليمين المتطرف ضد اللاجئين. وفي نهاية كانون الثاني (يناير) 2016 شهدت السويد اعتداءات في أماكن مختلفة بحق طالبي لجوء أبرزها كان السبت الماضي عندما قامت عصابة من الرجال الملثمين بتوزيع منشورات تهدد بمهاجمة المهاجرين ثم الاعتداء على بعض المناهضين للعنصرية في شوارع العاصمة السويدية ستوكهولم.

وعلى الصعيد الرسمي قامت السويد بإتخاذ اجراءات أكثر صرامة ضد طالبي اللجوء في البلاد، حيث أعلنت عن رفض 45% من إجمالي طلبات اللجوء التي تم التقدم بها خلال عام 2015 والنية بطردهم (حوالي 80 ألف طالب لجوء) من البلاد. ومنذ مطلع العام الجاري، قامت السلطات بفرض رقابة على حدودها مع الدنمارك من أجل التحقق من هويات المسافرين ومنع المهاجرين غير الشرعيين من دخول البلاد، في إجراء يحدث لأول مرة منذ نصف قرن.

وكانت السويد أعلنت أيضاً عن رزمة من التعديلات في قوانينها سيبدأ العمل بها في نيسان (أبريل) القادم، وتتضمن منح إقامات مؤقتة فقط لمدة 3 سنوات -قابلة للتجديد- لمن ينطبق عليه وصف لاجئ، في حين ستمنح إقامات لسنة واحدة فقط –قابلة للتجديد- كحماية فرعية، بالإضافة إلى قواعد أكثر صرامة فيما يتعلق بلم الشمل.

وفي المقابل للإجراءات التي قامت بها السويد على حدودها، قامت الدنمارك بالرد باتخاذ إجراء مماثل على حدودها مع ألمانيا، في محاولة منها لتفادي الاضطرار لاستقبال اللاجئين الذين سيتم منعهم من دخول السويد. وتبنى البرلمان الدنماركي قانوناً في يناير العام الجاري، يقضي بمصادرة مقتنيات طالبي اللجوء "من أجل تمويل إقامتهم في البلاد"، وبموجب ذلك سيتم مصادرة الأموال ومقتنيات طالبي اللجوء التي تزيد قيمتها على 1340 يورو. كما تضمن القانون بنودا أخرى تضيّق من ظروف الإقامة وتطيل المهل المتعلقة بلم شمل العائلات.

ومن أجل تنفير اللاجئين من القدوم إلى الدنمارك، قامت الحكومة الدنماركية في أيلول العام الماضي بنشر عدد من الإعلانات في الصحف اللبنانية تحذّر من صعوبة الهجرة إليها خصوصاً بعد أن شددت قوانين اللجوء إلى أراضيها.

أما المجر فكانت قد قامت بخطوات مشابهة منذ وقت مبكر، حيث حذرت الحكومة المجرية في إعلان نشرته في الصحف اللبنانية اللاجئين من دخول أراضيها بشكل غير قانوني، وفرضت عقوبات تصل إلى ثلاث سنوات سجن قبل الترحيل. وكان البرلمان المجري وافق على تشريع جديد في أيلول (سبتمبر) العام الماضي يقضي بتوسيع صلاحيات قوات الأمن المجرية والجيش فيما يتعلق بتعاملها مع المهاجرين الذين يتدفقون إلى البلاد، بما يسمح لهم بفتح النار على المهاجرين بهدف حماية الحدود.

ومع الارتفاع الملحوظ في أعداد طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى أوروبا في الصيف الماضي، قامت المجر ببناء سياج من الأسلاك الشائكة على حدودها مع كرواتيا يمتد لـ41 كيلومتراً، وآخر مع صربيا يصل طوله لـ 175 كيلومتراً، من أجل وقف تدفق المهاجرين إلى حدودها.

وعلى نفس النهج، قامت سلوفينيا أيضاً ببناء سور على طول حدودها مع كرواتيا، والتي تمتد على طول 670 كم، بهدف منع وصول المهاجرين إلى أراضيها، واستخدمت في بعض الحالات رذاذ الفلفل لتفريق لاجئين حاولوا المرور عبر أراضيها إلى كرواتيا.

وأعلنت وزارة الداخلية في فنلندا عن نيتها طرد حوالي ثلثيّ طالبي اللجوء (ما يعادل 20 ألف طالب لجوء) من مجموع الذين تقدموا بطلبات لجوء خلال عام 2015 والبالغ عددهم 32 ألفاً، وتم تعليق خطة كان وضعها رئيس الوزراء للمّ شمل طالبي اللجوء بعائلاتهم.

وضمن سياسات تمييزية في بريطانيا، قامت إحدى الشركات بتمييز أماكن سكن اللاجئين بطلاء الأبواب باللون الأحمر في منطقة "ميدلسبره - middlesbrough" البريطانية، مما أدى إلى التسهيل على المتشددين في التعرف على أماكن تواجد طالبي اللجوء والاعتداء عليهم، في حين نفت الشركة المسؤولة عن وجود هدف لأي سياسة تمييزية وأن الأمر كان محض الصدفة. وفي مدينة "كارديف" في ويلز البريطانية تم إرغام طالبي اللجوء على ارتداء سوار أحمر من أجل الحصول على الطعام في عملية وصفت بأنها مشابهة لعملية تمييز اليهود في عهد ألمانيا النازية، مما دفع الشركة المسؤولة عن إيواء اللاجئين إلى التراجع عن هذه الخطوة.

وفي فرنسا أظهرت استطلاعات الرأي نمواً في شعبية الأحزاب التي تتبنى سياسات متشددة حيال طالبي اللجوء والمهاجرين، وأبرزت أن أكثر من نصف الفرنسيين (56%) يعارضون فكرة استقبال فرنسا للمهاجرين من الأساس. وشهدت نهاية العام 2015 عدة هجمات على مراكز إيواء للاجئين ومن ذلك حرق مخيم كاليه للاجئين شمال فرنسا والذي يقطنه نحو 6000 طالب لجوء أغلبهم من سوريا وبلدان أفريقية، وكانت ثلاث مخيمات للاجئين السوريين والعراقيين قد تعرضت لاعتداءات مماثلة في الأشهر الثلاثة الماضية. فيما أعلن الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند"، بأن بلاده لن تستقبل سوى 30 ألف طالب لجوء، وهي حصتها من اللاجئين التي تم الاتفاق عليها أوروبيا.

وفي ضوء هذه الموجة من التشدد في التعامل مع مأساة المهاجرين وطالبي اللجوء، دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الدول الأوروبية إلى التعامل مع مشكلة اللجوء من منظور مختلف، وذلك باعتبارها حقاً إنسانياً وواجباً عالمياً في ضوء النزاعات التي تشهدها المناطق التي يخرج منها طالبو اللجوء، وهو ما يتطلب في المقام الأول حمايتهم وتوفير الرعاية لهم ووضع معايير ثابتة توفر لهم حداً معقولاً من الأمن الاقتصادي والاجتماعي، بما يعنيه ذلك من تقليص فترات الانتظار للاجئين المستحقين من أجل الحصول على إقامة، ولم شملهم بعائلاتهم، وزيادة مقدار الدعم المادي المقدّم لهم، وتوفير الحماية اللازمة لمساكنهم، والعمل على دمج طالبي اللجوء في البلدان الأوروبية والاستفادة من طاقاتهم بدلاً من التعامل معهم باعتبارهم عبئاً على دول الاتحاد.