جنيف - انتقد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان حملة القمع المتصاعدة بحق الصحفيين والمؤسسات الصحفية في الجزائر، في ظل غياب حقيقي للرقابة القضائية الفاعلة، حيث شهدت الدولة خلال الأشهر القليلة الماضية تزايدًا ملحوظًا في القيود المفروضة على حرية الصحافة والتعبير، كان آخرها الإجراءات العقابية التي اتخذتها الحكومة بحق موقع "كل شيء عن الجزائر" عبر حجبه من الإنترنت في الجزائر ووقف الإشهار الحكومي عن "صحيفة الفجر".
تزايد الانتهاكات بحق الصحفيين، ومصادرة حرية الرأي و التعبير بطرق مباشرة وغير مباشرة غدا ممارسة متبعة من قبل الحكومة في الجزائر بشكل لا يطاق
إحسان عادل، المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي
و نوه الأورومتوسطي الذي يتخذ من جنيف مقرًا له في بيان صحفي اليوم، أن "صحيفة الفجر" تعرضت الأيام الماضية لقطع الإشهار الحكومي بشكل كامل (الإعلانات الممولة من الدولة)، وهو الأمر الذي جاء فيما يبدو لأسباب سياسية، ما دفع مديرة الصحيفة "حدة حزام" إلى إعلان الإضراب المفتوح عن الطعام احتجاجاً على قرار الحكومة بحق صحيفتها.
وفي اتصال هاتفي أجراه فريق المرصد الأورومتوسطي مع "حزام" قالت إنها كانت قدّمت مداخلة في 9 آب (أغسطس) الماضي في برنامج على قناة "فرانس 24" وتساءلت قائلة "أين مركز القرار في الدولة؟ طالما أن الرئيس مريض من يتخذ هذه القرارات في الدولة؟" وفور ذلك أوقفت الدولة الإشهار الإعلاني عن الصحيفة دون الإعلان عن ذلك رسمياً.
وقالت "حزام" إن صحيفتها "لم تتلقّ منذ ذلك الحين أي إعلانات، حيث تحتكر الحكومة الإشهار الإعلاني والذي يمثل عصب استمرار أي مؤسسة إعلامية، ما جعل الصحيفة غير قادرة على دفع رواتب الموظفين وعددهم 60 موظفاً وصحفياً". وأضافت "راسلت رئيس الجمهورية والوزير الأول ولكني لم أتلقّ ردًا، ثم أعلنت إضرابًا مفتوحًا عن الطعام من أجل رفع الإجراءات العقابية عن الجريدة التي تعيش في أزمة مالية كبيرة الآن".
ولفتت "الحزام" في حديثها لفريق الأورومتوسطي أنها أوقفت إضرابها المفتوح عن الطعام بعد استمراره لمدة 8 أيام، استجابة لطلب الأطباء بسبب معاناتها من بعض الأمراض المزمنة مثل مرض السكري، وعلى الرغم من ذلك استمرت السلطة في إجراءاتها العقابية مستهدفة خنق صوت الصحيفة وفق "الحزام". وأكدت "حزام" أن تلك الإجراءات العقابية جاءت بناء على السياسة التحريرية المعارضة التي تتبعها الصحيفة.
يشار إلى أن "صحيفة الفجر" شهدت سابقًا عدة أزمات مماثلة، كانت إحداها عقب معارضة "حزام" لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية ثانية سنة 2004، حرمت على إثرها صحيفتها من الإشهار الحكومي لمدة 18 شهرًا.
وأوضح الأورومتوسطي أن الصحف الجزائرية عانت في السنوات الماضية من تراجع الدعم المالي الذي تقدمه الدولة للصحف عن طريق الإشهار الحكومي، بسبب احتكار سوق الإعلانات من قبل سلطات الدولة، في حين أن إعلانات القطاع الخاص تذهب للصحف الأكثر مبيعًا في البلاد، الأمر الذي أدى إلى اختفاء نحو 60 جريدة خلال السنوات الثلاثة الماضية.
و أشار المرصد الحقوقي إلى أن الدعم المالي الذي تقدمه الدولة للصحف عن طريق الإعلانات الحكومية انخفض بنسبة 65% في الفترة ما بين 2015 و 2016، وترجع أسباب ذلك إلى تراجع أسعار النفط، وفق تصريحات وزير الاتصال السابق "حميد غرين"، غير أن المصادر المحلية الجزائرية، أكدت أن السلطات تستخدم هذه الإعلانات في مكافئة الموالين ومعاقبة أصحاب اللهجة المعارضة، الأمر الذي تسبب كذلك في إغلاق فضائيتي "الأطلس" و "الوطن" بسبب انتهاجهما سياسة معارضة لسلطات الدولة.
ولفت إلى أن الانتهاكات في هذا الإطار طالت كذلك موقع "كل شيء عن الجزائر"، وهو موقع إخباري تعرض للحجب في الخامس من أكتوبر الماضي، من قبل شركة الاتصالات الجزائرية، المزود الوحيد للإنترنت، بدون أية توضيحات تذكر.
واعتبر الأورومتوسطي أن هذه الممارسات تشكل انتهاكًا غير مبرر ومصادرة حقيقية لحرية الرأي و التعبير المكفولة في الدستور الجزائري فضلا عن المواثيق والاتفاقيات الدولية.
وقال المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي "إحسان عادل" :"إن تزايد الانتهاكات بحق الصحفيين، ومصادرة حرية الرأي و التعبير بطرق مباشرة وغير مباشرة غدا ممارسة متبعة من قبل الحكومة في الجزائر بشكل لا يطاق". ولفت عادل إلى أن المواثيق الدولية كفلت حق الحصول على المعلومات ونقلها وتبادلها ونشرها وإصدار الصحف دون قيود أو مضايقات، أو فرض رقابة مسبقة عليها.
وذكر المرصد الحقوقي الدولي أنه وبالرغم من وجود الجزائر طرفًا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية منذ عام 1989، إلا أن الممارسات المرتكبة على أرض الواقع لا تمت لهذا الالتزام بأي صلة خاصة إذا تعلق الأمر بالصحفيين، مشيراً في هذا السياق إلى المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية والتي كفلت الحق في حرية الرأي والتعبير، وحظرت مصادرته وفرض القيود عليه.
وطالب المرصد الحقوقي السلطات الجزائرية بضرورة احترام وتطبيق الالتزامات الدولية و القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، من خلال تسهيل عمل الصحفيين، وتوفير الأجواء المناسبة التي تمكنهم من العمل بحرية تامة بعيدًا عن أية قيود أو مضايقات تؤثر على هذا الحق والتعامل مع الصحفيين والقنوات الإعلامية المختلفة بدون تمييز على أساس مدى توافقها أو معارضتها للخط الحكومي، داعياً إلى استصدار قانون ينظم سوق الإعلانات وفق معايير شفافة تعتمد على المنافسة الموضوعية الواضحة و الصارمة.