تونس- أدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إغلاق السلطات التونسية ما يزيد عن 198 جمعية تونسية من جمعيات المجتمع المدني والعمل الخيري، وتوجيه حوالي 947 تنبيهًا لجمعيات أخرى وإحالتها إلى القضاء، معتبرًا هذه الممارسات غير متناسبة وتعسفية وتقع خارج الأطر القانونية المتعلقة بتنظيم الجمعيات في تونس.

 

   عمليات الإغلاق التي شهدتها الجمعيات الأيام الماضية سبقتها العديد من الممارسات والمضايقات بحقها، سواء من ناحية تكوينها أو من خلال التدخل في أنشطتها ووسائل عملها   

 

و قال الأورومتوسطي -الذي يتخذ من جنيف مقرًا له- في بيان صحفي اليوم، إن قرارات إغلاق الجمعيات من قبل السلطات التونسية في المدة الأخيرة ترافقت مع قيام الدولة بتقديم طلبات لدى القضاء للمطالبة بحل هذه الجمعيات بتهم تتعلق بمخالفات مالية، وتلقي أموال مشبوهة من الخارج بهدف دعم الإرهاب.

ولفت الأورومتوسطي إلى أن مضمون طلبات حل تلك الجمعيات لم يتضمن أية معلومات تفيد بارتكاب هذه الجمعيات أعمالاً لها صلة بالإرهاب، بل تمحورت جلها في مخالفات شكلية وإجرائية، كعدم توافق النظام الأساسي للجمعية مع مقتضيات مرسوم 88 لعام 2011، أو تأخر أو عدم قيام الجمعية بإرسال التقرير المالي والأدبي للجمعية إلى الكاتب العام للحكومة، ما يجعل المطالبة بحل الجمعيات والسعي لإغلاقها بتهمة الإرهاب موسومًا بالتعسف ويخالف جوهر القوانين الوطنية و الدولية.

ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أن عمليات الإغلاق التي شهدتها الجمعيات في تونس الأيام الماضية، سبقتها العديد من الممارسات والمضايقات بحق هذه الجمعيات سواء من ناحية تكوينها أو من خلال التدخل في أنشطتها ووسائل عملها.

وبين المرصد الحقوقي أن التضييق الحكومي على الجمعيات بدأ منذ عام 2013 وتجسد بشكل أوضح في العام 2014 حين قامت الحكومة التونسية برئاسة "مهدي جمعة" في 16 تموز/يوليو 2014 باتخاذ قرارات بتجميد أكثر من 157 جمعية بتهمة بتمويل الإرهاب، جلها كانت تنشط في مجال العمل الخيري والإغاثي وتقديم المساعدات الإنسانية للأيتام والأشخاص ذوي الإعاقة.

و أكد المرصد على أن المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المنظم للجمعيات شهد تطورًا تشريعيًا مهمًا مقارنة بالقانون السابق (عدد 154 لعام 1959)، حيث أعطى القانون الجديد المجتمع المدني في تونس الحرية في تكوين الجمعيات من خلال منع السلطة التنفيذية من التدخل في عملية تكوينها، إلا أن الممارسة العملية شهدت قصورًا كبيرًا بفعل الانتهاكات التي مارستها السلطة التنفيذية تجاه تكوين الجمعيات وطريقة عملها، مع تعطل واضح في الرقابة القضائية الفاعلة.

وأوضح الأورومتوسطي أن الإدارة العامة للجمعيات -والتي تتبع للحكومة التونسية- بدأت منذ عام 2013 بالتدخل في تكوين الجمعيات وممارسة الوصاية و التضييق على أنشطتها من خلال طلب حذف أو تعديل أو تغيير بعض الأهداف التي تضعها الجمعيات في أنظمتها الأساسية، والتأخر في الرد على ملفاتها، وطلب الكثير من الوثائق التي لم يرد ذكرها في الأنظمة الخاصة بتنظيم الجمعيات، مما أدى إلى تعطيل عمل العديد منها.

و أضاف المرصد أن المطبعة الحكومية المسؤولة عن إشهار الجمعيات، أضحت هي الأخرى معطلًا أساسيًا في تكوين الجمعيات، من خلال عدم إدراج إعلانات تكوين الجمعيات في الصحيفة الرسمية إلى حين انقضاء الأجل القانوني المقدر بـ 15 يومًا، حيث تحتاج الجمعيات إلى الانتظار 3 ثلاثة أشهر كحد أدنى حتى يتم النشر، وقد تصل مدة الانتظار إلى ما يفوق السنة، وهو ما يخالف الآجال القانونية التي حددها المرسوم بشكل صريح.

وأوضح الأورومتوسطي أن المطبعة تشترط أيضًا حصول الجمعية على موافقة الإدارة العامة للجمعيات على إدراج إعلان تكوينها للنشر، وهو ما لم ينص عليه المرسوم الخاص بتنظيم الجمعيات إطلاقًا.

   إغلاق جمعية ما لوجود شكوك حول دعمها للإرهاب، لا يبرر إغلاق عشرات الجمعيات الأخرى بشكل تعسفي ومن أجل الالتفاف على الإجراءات القضائية والتعدي على الحقوق والحريات   

طارق اللوا، باحث قانوني لدى المرصد الأورومتوسطي

يشار إلى أن عدد الجمعيات التي تنشط في تونس بمختلف أهدافها الخيرية والتوعوية والدينية والرياضية بلغت قرابة 21 ألف جمعية، تكونت منذ استقلال الدولة التونسية عام 1956م، وبلغ عدد الجمعيات التي تكونت بعد الثورة عام 2011 حوالي 11400 جمعية.

ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أن الحق في تكوين الجمعيات من الحقوق الأساسية التي كفلتها المواثيق الدولية، حيث نصت المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، والذي كانت تونس قد صادقت عليه، على أن "لكل فرد الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين..."، وأكدت ذات المادة على أنه لا يجوز فرض أية قيود على ممارسة هذا الحق إلا بمقتضى القانون.

 وصادقت تونس على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981، والذي نصت المادة 10  منه على أنه "يحق لكل إنسان أن يكوّن وبحرية جمعيات مع آخرين شريطة أن يلتزم بالأحكام التى حددها القانون".

قال الباحث القانوني لدى المرصد الأورومتوسطي، "طارق اللوا" "إن السلطات التونسية عبر ممارساتها تجاه الجمعيات تضرب بعرض الحائط الأحكام التي تضمّنها مرسوم 88 لسنة 2011 الخاص بتنظيم الجمعيات".

وأضاف "اللوا" "إن إغلاق جمعية ما لوجود شكوك حول دعمها للإرهاب، لا يبرر إغلاق عشرات الجمعيات الأخرى بشكل تعسفي ومن أجل الالتفاف على الإجراءات القضائية والتعدي على الحقوق والحريات".

ونوّه "اللوا" إلى أن السلطات التونسية تنتهك القوانين التونسية بإصدارها قرارات تتعلق بإغلاق الجمعيات أو تعليق نشاطاتها ضمن ذرائع تعسفية، باعتبار أن مرسوم 88 لسنة 2011 أعطى السلطة القضائية وحدها حق إصدار قرارات بإغلاق أو تعليق نشاط الجمعيات، وهو حق حصري لا يجوز لغير السلطة القضائية إصداره، معتبرًا أن إغلاق الجمعيات لأسباب مبهمة وغير واضحة وخارج نطاق السلطة القضائية سيجعل الجمعيات الأخرى عرضة للخطر.

و طالب الأورومتوسطي السلطات التونسية بمراجعة قراراتها المتعلقة بإغلاق عدد من الجمعيات، وإعادة فتح التي أغلقت بشكل تعسفي وبدون إجراءات قضائية بصورة فورية، وبذل المزيد من الجهد في سبيل احترام القوانين والأنظمة المعمول بها في البلاد، بما يضمن منح الحريات والحقوق للمجتمع المدني لتكوين الجمعيات وفق ما قرره القانون وكفلته الاتفاقيات الدولية.