جنيف- قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية قيام طائرات التحالف السوري الروسي بقصف مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية بقنابل تحمل غازات سامة، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا من المدنيين بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، معتبرًا أن "المنظومة الدولية فشلت في وضع حد لاستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا في سوريا، حيث تم استخدام السلاح الكيماوي 215 مرة على مدار السنوات السبع الماضية، ورغم ذلك ستترأس سوريا الشهر القادم مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح، والذي كان أشرف على مفاوضات إصدار معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية".
استُخدم السلاح الكيماوي 215 مرة في سوريا على مدار السنوات السبع الماضية
وقال الأورومتوسطي الذي يتخذ من جنيف مقرًا له في بيان صحفي اليوم، إن مدينة دوما تعرضت منذ يوم الجمعة الماضي إلى هجمات جوية كيماوية -يبدو أنها كانت بغاز الكلور-، وقعت إحداها بالقرب من مبنى فرن سعدة، والأخرى كانت بالقرب من ساحة الشهداء في منطقة النعمان، أدت إلى سقوط ما يزيد عن 100 قتيل، واختناق ما لا يقل عن 1000 مدني جراء استنشاق الغاز المنبعث من الصواريخ، مؤكدًا على أن استخدام النظام لهذه الأسلحة يدخل في نطاق "تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين" وهو ما قد يمثل جريمة حرب، ويعد كذلك "جريمة ضد الإنسانية".
وأوضح المرصد أن حوالي 350 غارة نفذتها طائرات التحالف على مدينة دوما خلال الأيام الثلاثة الماضية بصواريخ تحمل مواد حارقة وفسفور ونابالم، فضلًا عن القصف باستخدام براميل متفجرة تحتوي بداخلها على قنابل عنقودية، حيث وثق المرصد نقلا عن شهود عيان أن الطائرات ترمي ب 3 براميل دفعة واحدة دون التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية.
ولفت الأورومتوسطي إلى أن قوات الدفاع المدني لم تتمكن من الوصول إلى القتلى والجرحى بسبب كثافة القصف الذي تعرضت له المدينة، والذي تسبب بتدمير أحياء سكنية بالكامل، ومقتل عائلات بأكملها خنقًا بالغازات السامة في منازلهم، بالإضافة إلى استهداف مشافي المدينة وقصف طرق الإسعاف وفرق الدفاع المدني.
وبين المرصد أنه منذ بدء الحرب في سوريا (2011)، لجأ النظام السوري إلى استخدام السلاح الكيماوي المجرم دوليًا في قصفه للمدن والأحياء السكنية والمدنيين العزل حوالي 215 مرة، 33 منها كانت قبل قرار مجلس الأمن (2118) الصادر في أيلول/سبتمبر 2013 الخاص بنزع السلاح الكيماوي السوري، والباقي بعد القرار، وهو ما يمثل إشارة واضحة إلى تجاهل النظام السوري ومن يعاونه للقرارات الدولية نتيجة استمرار سياسة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها النظام السوري وإساءة استخدام الفيتو في مجلس الأمن بما يعطل العدالة.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن منطقة "الغوطة الشرقية" كانت تعرضت سابقًا لواحدة من أقسى الهجمات التي شنها النظام السوري باستخدام السلاح الكيمياوي، وذلك في آب/أغسطس من عام 2013، حيث راح ضحيتها حينها ما يزيد عن 1400 مدني جلّهم من الأطفال والنساء. وكان النظام السوري كذلك قد استخدم السلاح الكيماوي في العام الماضي (2017) عدة مرات، أبرزها في "خان شيخون" بريف إدلب، في الرابع من نيسان/أبريل الماضي، وراح ضحيتها ما يزيد عن 100 مدني، فضلًا عن إصابة المئات.
وفي السياق نفسه، ذكر الأورومتوسطي أن قرار مجلس الأمن (2118) في العام 2013 نص على تجريم استخدام السلاح الكيمياوي وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وشدد على أنه في حال عدم امتثال النظام السوري لهذا القرار، فإنه يتعين على مجلس الأمن فرض التدابير اللازمة بموجب البند السابع من الميثاق، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية.
وقالت ساندرا أوين، متحدثة باسم المرصد الأورومتوسطي: "بالرغم من أن النظام السوري خالف قرار مجلس الأمن المذكور مرارًا وتكرارًا، إلا أنه لم يواجه أي تصعيد من قبل المجلس لمنعه من الاستمرار بهذا الانتهاك الجسيم، وذلك بفضل الفيتو الروسي الذي كان له دور بارز في الحيلولة دون مساءلته، فضلًا عن صمت المجتمع الدولي وتردده في اتخاذ خطوات صارمة تجاه المأساة المتجددة في سوريا".
بالرغم من أن النظام السوري خالف قرار مجلس الأمن المذكور مرارًا وتكرارًا، إلا أنه لم يواجه أي تصعيد من قبل المجلس لمنعه من الاستمرار بهذا الانتهاك الجسيم
ساندرا أوين، متحدثة باسم المرصد الأورومتوسطي
وحذر المرصد من الأوضاع الكارثية التي تعيشها مدينة دوما بسبب عدم وجود مشافٍ نتيجة تعرض كافة المراكز الطبية للقصف المدفعي والجوي، بالإضافة إلى قلة الكوادر الطبية بسبب تهجير نسبة كبيرة منهم للشمال السوري، كما أن المدينة تعاني من نقص حاد في المواد الغذائية وفي المعدات الطبية والأدوية، حيث أن العلاج المتوفر لا يتعدى كونه إسعافات أولية في معظمه، مشددًا على أن استمرار قصف وحصار المدينة سينذر بكارثة إنسانية لا يحمد عقباها.
ودعا المرصد الحقوقي الدولي في نهاية بيانه المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته كاملة في حماية المدنيين السوريين من القصف الذي تتعرض له مدن سوريا كافة على أيدي النظام السوري وبمساندة الحلف الروسي الإيراني، وفتح تحقيق عاجل لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
وطالب المرصد قوات التحالف السوري الروسي وكافة التشكيلات السورية المسلحة بإبعاد المدنيين عن القتال الدائر في الأراضي السورية، والعمل على الالتزام بقرارات مجلس الأمن وضمان احترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية، ولا سيما اتفاقيات جنيف، بما يضمن حماية المدنيين والسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووصولها لجميع المحتاجين في جميع المناطق المنكوبة في سوريا.