جنيف- نظّم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بالتعاون مع منظمة "GIWEH"ندوة على هامش الدورة 38 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لمناقشة حالة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، وادعاءات الحكومات بعدم إمكانية المحافظة على حقوق الإنسان في ظل المخاطر الأمنية والأزمات السياسية وعدم الاستقرار الذي تواجهه المنطقة.
التدابير التي تم اتخاذها أخفقت في مراعاة المعايير الدولية فيما يتعلق بالتدابير الانفرادية القسرية، وأدت إلى الإضرار بشكل قاس بمصالح وحقوق المواطنين في جميع الدول المعنية
سارة بريتشيت، المتحدثة باسم المرصد الأورومتوسطي
واستعرضت الندوة التأثيرات الإنسانية على المدنيين في منطقة الخليج بعد مرور عام على الأزمة، وتناولت تعامل السلطات الأردنية مع التظاهرات الأخيرة في البلاد كمثال على إمكانية تجاوز الأزمات دون انتهاك حقوق المتظاهرين، وناقشت الندوة كذلك شهادات ميدانية عن الأوضاع التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون من مخيم اليرموك بدمشق أثناء وبعد العملية العسكرية الأخيرة للنظام السوري في المخيم، كما سلطت الضوء على انتهاكات السلطات الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا سيما استخدام إسرائيل للرصاص المتفجر في التعامل مع المتظاهرين على حدود غزة.
وبدأت الندوة بكلمة المتحدثة باسم المرصد الأورومتوسطي، "سارة بريتشيت"، والتي تناولت تفاصيل الحالة الحقوقية والقانونية في منطقة الخليج العربي بعد عام كامل من قطع دول السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر. وقالت "بريتشيت" إن التدابير التي تم اتخاذها أخفقت في مراعاة المعايير الدولية فيما يتعلق بالتدابير الانفرادية القسرية، وأدت إلى الإضرار بشكل قاس بمصالح وحقوق المواطنين في جميع الدول المعنية، ومن ذلك تسببها بتشتيت العائلات، وعرقلة وصول الإمدادات الطبية والغذائية إلى قطر، وقيود السفر التي أثرت كذلك على حرية العبادة بالنسبة لأولئك الذين ينوون السفر إلى السعودية لأداء العمرة أو الحج.
وأضافت "بريتشيت" أن الدول المعنية لا تزال بعد مرور عام على الأزمة تفرض قيودًا مشددة على حرية الرأي والتعبير، وتعاقب من يظهر تعاطفًا مع قطر من مواطنيها بالسجن فترة قد تمتد ل15 سنة، بالإضافة إلى غرامات مالية كبيرة. كما استعرضت أمثلة على تأثير الأزمة المباشر على حقوق المدنيين بصورة تعسفية، ومن ذلك منع العديد من الطلبة من الالتحاق بجامعاتهم في الدول التي قررت قطع علاقاتها مع قطر.
ودعت "بريتشيت " إلى العمل على ضمان احترام حقوق الإنسان عند اتخاذ القرارات السياسية، وتجنيب المدنيين من جميع الجنسيات تداعيات هذه التدابير التي لا يمكن تبريرها بحال.
وفي كلمتها، أثنت مستشارة شؤون المرأة في الأورومتوسطي "عروب صبح" على تعامل السلطات الأردنية بوعي وانضباط مع التظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت أواخر يونيو الماضي على خلفية مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل، وقالت إن الحكومات في منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تعتبر ذلك مثالاً ناجحا على تجاوز المخاطر الأمنية وعدم الاستقرار بتبني نهج احترام حقوق المتظاهرين بدلًا من اللجوء للقوة المفرطة وجر الدولة إلى دوامة العنف والإرهاب.
وأشارت "صبح" إلى أن الحكومات في المنطقة العربية تبرر ممارستها القمعية وسياساتها التعسفية بكونها تدابير ضرورية للحفاظ على أمن الدولة، وتنتهج سياسة تحميل المواطن المسؤولية عن الدولة والعجز المالي والأمن والمشاكل الاقتصادية. واستشهدت "صبح" بالتجربة الأردنية الأخيرة، حيث يواجه البلد المخاطر الاقتصادية والأمنية نفسها التي تواجهها بلدان أخرى في المنطقة ذاتها، غير أنه أمكن الخروج من الاضطرابات الأمنية دون انتهاكات خطيرة أو ممنهجة لحقوقِ المتظاهرين.
من جهتها، أشارت "داني دوجنيس"، رئيسة منظمة ميزان للعدالة، إلى أنها عاشت الأشهر القليلة الماضية في مدينة بيت لحم الفلسطينية جنوب الضفة الغربية، وشهدت المعاناة التي يعيشها السكان الفلسطينيون في الضفة الغربية نتيجة الحواجز الإسرائيلية التي تفصل مدنهم وقراهم، وتتحكم بمداخل ومخارج المدن.
واستعرضت "دوجنيس" عددًا من الأوامر العسكرية الإسرائيلية التي تسعى الحكومة الإسرائيلية عبرها إلى تقييد حياة الفلسطينيين بشكل تعسفي ومركّب، وقالت إن تلك القوانين لا تستهدف الفلسطينيين وحدهم، بل تستهدف كافة المدافعين عن حقوق الإنسان بما في ذلك المنظمات الإسرائيلية اليسارية. وفي هذا الصدد، تناول "دوجنيس" مشروع القانون الإسرائيلي الذي واقفت عليه الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا، ويقوم على تجريم من يقوم بتوثيق وتصوير الجنود الإسرائيليين أثناء قيامهم بمهامهم، بما في ذلك لو قاموا بانتهاكات لحقوق الإنسان، وسجن من يقوم بذلك مدة تصل إلى 10 سنوات. وبحسب "دوجنيس" فإن هكذا قانون لم يُسمع به في أي دول العالم وأكثرها انتهاكا لحقوق الإنسان.
أما "غادة الريان"، الباحثة في الأورومتوسطي، فعرضت شهادات حصرية قاسية جمعها المرصد الأورومتوسطي عن الحالة المأساوية التي يعانيها سكان مخيم "اليرموك" للاجئين الفلسطينيين في العاصمة السورية دمشق. وقالت الريان إن سكان المخيم اضطروا لدفع ضريبة ضخمة منذ بدء الأزمة في سوريا في مارس 2011، حيث قتل منهم 1392 لاجئًا قضى معظمهم بسبب القصف والجوع إثر الحصار والموت تحت التعذيب في سجون النظام السوري، فيما قضى آخرون على يد مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" الذين سيطروا على المخيم خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
القوانين التعسفية الإسرائيلية لا تستهدف الفلسطينيين وحدهم، بل تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان كافة
داني دوجنيس، رئيسة منظمة ميزان للعدالة
وأوضحت "الريان" أن عدد سكان مخيم اليرموك تقلص إلى 6300 حسب آخر إحصائية في أبريل 2018، بعدما وصل إلى 144 ألفًا قبل بدء الأزمة السورية. وأشارت "الريان" إلى تفاقم الأوضاع في المخيم بعد شن الجيش السوري وميليشيات تابعة له عملية عسكرية كبيرة في 19 أبريل 2018 لطرد تنظيم "الدولة الإسلامية" من المنطقة. واستمرت العملية العسكرية 33 يومًا انتهت بفرض الجيش النظامي سيطرته على المخيم بعد قصف جوي ومدفعي مكثف أدى إلى مقتل 31 مدنيًا، وتدمير 81% من أحياء المخيم، فضلًا عن انهيار كامل لشبكات المياه والكهرباء.
وانتقدت "الريان" تجاهل عناصر الجيش النظامي والمجموعات الموالية له مسؤوليتهم في حماية ممتلكات السكان الذين فروا بسبب العمليات العسكرية، حيث باشرت هذه العناصر بعمليات سلب ونهب منظمة لما تبقى من ممتلكات المدنيين، وأعاقت وصولهم إلى منازلهم، داعية إلى تشكيل لجنة تحقيق فورية في الحوادث العدائية التي أفرزتها العملية العسكرية، وتقديم المتورطين في ارتكاب الجرائم إلى العدالة.
وفي سياق منفصل، تناولت الباحثة في الأورومتوسطي "إيمان زعيتر" استخدام إسرائيل للقوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين على حدود قطاع غزة، وما خلفه هذا التعامل من أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، إضافة إلى مناقشة الوضع الإنساني في القطاع بعد مرور 12 عامًا على الحصار الإسرائيلي.
وقالت "زعيتر" إن عشرات الآلاف من المتظاهرين السلميين خرجوا في 30 مارس الماضي إلى حدود قطاع غزة الشرقية مطالبين بتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم (194) والذي يقضي بعودتهم إلى ديارهم، ورفع الحصار عن قطاع غزة، لكن إسرائيل تعاملت بالقوة المفرطة مع هؤلاء المتظاهرين، إذ وصل عدد الضحايا في الاحتجاجات المستمرة من 30 مارس إلى 131 قتيلًا وأكثر من 14 ألف مصاب بالرصاص الحي وقنابل الغاز.
وبينت "زعيتر" أن 35% من الإصابات استهدفت الجزء العلوي من الجسم بما يدلل عن نية واضحة للقتل، كما قدمت أدلة جمعها الأورومتوسطي على استخدام القوات الإسرائيلية الرصاص المتفجر الذي يتسبب في المزيد من الضرر ويؤدي إلى عجز دائم، واستعرضت مشاهد لاستهداف إسرائيل لفئات مختلفة من المتظاهرين كالصحفيين والمسعفين والأطفال.
وطالبت "زعيتر" في ختام كلمتها مجلس حقوق الإنسان بالضغط على إسرائيل لرفع الحصار عن القطاع ووقف العقاب الجماعي الذي يتعرض له، وطالبت بإلزام إسرائيل بتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم (194)، بما ينهي المعاناة المستمرة للاجئين الفلسطينيين منذ 70 عامًا.