توطئة إلى الترجمة العربية التي قام بها المرصد الأورومتوسطي لتقرير الإسكوا: "الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الأبارتايد (الفصل العنصري)"، الصادر في الخامس عشر من آذار/ مارس للعام 2017 ميلادية
يبحث هذا التقرير -من وجهة نظر القانون الدوليّ- ما إذا كانت سياسات وممارسات إسرائيل بما يتعلق بالشعب الفلسطيني ككل تمثل جريمة فصلٍ عنصريّ. يستنتج التقرير بشكلٍ أساسيّ أنه لا يمكن تحقيق سلامٍ دائمٍ بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون إزالة مسبقة لهياكل الفصل العنصري. ولا بدّ لأيّ نهجٍ يتجاهل هذا الاستنتاج أن يفشل. وحتى لو توصل الطرفان إلى اتفاق، فإنه سيحقق، على الأكثر، هدنة، ولكن ليس سلامًا حقيقيًّا.
وبالرغم من نشوء جريمة الفصل العنصريّ عن تجربة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، إلا أنها أُدمِجت في القانون الجنائيّ الدوليّ كجريمة قائمةٍ بذاتها تستند إلى هيمنة عرقٍ على آخر، بغرض الحفاظ على هيمنته بالاعتماد على أفعالٍ لا إنسانية. ولا يستلزم من ذلك أن يكون هيكل الأبارتايد شبيها بجنوب أفريقيا لكي يتأهل كمثالٍ على الجريمة.
نؤمن أن هذا التقرير يقدم أربع مساهمات لتقدير أهمية الفصل العنصري لأي حل سلمي مستقبلي للنزاع:
- بعد دراسة متأنية للأدلة المتعلقة بالممارسات الإسرائيلية لفرض السيطرة على الشعب الفلسطيني، يتوصل التقرير إلى أن إسرائيل مذنبة بارتكاب جريمة الأبارتايد على النحو المحدد في القانون الدولي؛ مزاعم الأبارتايد السابقة استندت على تفسيرات أوسع لسلوك إسرائيل كوعاء للتمييز أو ممارسة العنصرية بشكل عام؛
- تأسس مفهومنا عن الأبارتايد الإسرائيلي على التعامل مع الشعب الفلسطيني ككل. وقد أشارت المزاعم السابقة حول الأبارتايد إلى الأنظمة القانونية التمييزية المزدوجة التي تطبق في فلسطين المحتلة، وبالتالي لا تنطبق على الفلسطينيين الذين يعيشون كأقليّة في إسرائيل ما قبل عام 1967، أو على اللاجئين في الدول المجاورة؛
- وبالتركيز على هذا العرض الشامل للأبارتايد، يتضح أنه ينبغي لجهود صنع السلام التركيز على إنهاء الأبارتايد بدلاً من التركيز - كما هو الحال حتى الآن - على إنهاء الاحتلال. النقطة ذات الصلة هنا هي أن جوهر النضال يتعلق بالناس، ويتعلق بالأرض فقط بشكل ثانويّ؛
- إن السمة المميّزة للأبارتايد الإسرائيلي هي استدامة الهيمنة على الفلسطينيين بغرض تعزيز دولة يهودية من خلال تجزئة الشعب الفلسطيني إلى أربعة فضاءات منفصلة خاضعة للسيطرة التمييزية والإخضاع. تم تكييف هذه الفضاءات لمنع الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، والضفة الغربية، والقدس، واللاجئين الذين يعيشون خارج فلسطين الانتدابية، من تحدي الطابع القانوني لإسرائيل كدولة يهودية.
حين صدر هذا التقرير في بادئ الأمر في آذار/ مارس من العام 2017، ولّد عاصفة نارية مباشرة لدى الأمم المتحدة، نتيجةً لموجة من الهجمات الافترائية من قبل السفراء الإسرائيليين والأميركيين. لم تتناول هذه الهجمات فحوى التقرير، وبدت أنها تركز سمومها على الغضب المفترض لتقديم لفظة 'أبارتايد' في خطاب الأمم المتحدة عند نقاش العلاقة بين إسرائيل والشعب الفلسطيني. لقد كان الأمر نفاقيًا بامتياز، كما يعرف أي شخص تابع الجدالات الداخلية لإسرائيل، والتي استمرت على مدى سنين عديدة. عندما يتحدث القادة الإسرائيليون البارزون، منذ ديفيد بن غوريون، أمام اليهود باللغة العبرية، فإنهم قد حذروا من أن إسرائيل ستصبح دولة أبارتايد ما لم تجد حلاً لـ 'المشكلة الفلسطينية'.
ومن السمات المثيرة للقلق هي أساليب التنمّر التي صاحبت الهجوم على التقرير في الأمم المتحدة، والإصرار على أن يتبرّأ أمينها العام من التقرير وإلا فإنه سيواجه تقليصاً للتمويل في حال عدم انصياعه لذلك. ما ينبغي ذكره هنا هو أن التقرير ليس وثيقة رسمية خاصة بالأمم المتحدة، بل إنه يحتوي على إخلاء للمسؤولية عبر أن التقرير كان من تأليف باحثين أكاديميين، ولا يعكس بالضرورة آراء الأمم المتحدة، ولا حتى رؤية الإسكوا. ومما يؤسف له، أرهبت نيكي هيلي - بلغتها المتشدقة - السيد غوتيريس، مما دفعه إلى إصدار قرار بإزالة إسكوا للتقرير من موقعها الإلكتروني. عندها، اختارت السيدة ريما خلف، رئيس الإسكوا حينها، الاستقالة إثر ذلك، موضحةً فعلها المنطلق من مبادئها في رسالةٍ مفتوحةٍ للأمين العام. تم سحب التقرير من الموقع، ولكن التقرير لا يزال متاحًا بنسختيه الإنجليزية والفرنسية عبر مواقع عديدة على الإنترنت. وقبل سحبه، علمنا أنه أكثر التقارير تحميلاً طوال 45 عاماً من عمر الإسكوا. وقبل سحب التقرير، صادقت الحكومات العربية ال 18 الأعضاء في مجلس الإسكوا، - ممثلين بوزراء خارجيتهم - على التقرير.
بناءً على هذه الخلفية، فإننا نشعر ببالغ الامتنان إلى المرصد الأورومتوسطي لقيامه بإتاحة هذه الترجمة العربية من التقرير. ومع أنه ينبغي أن يكون هذا التقرير محط اهتمام العالم بأسره، لكن ذلك لا ينفي أن صلته الأكبر والمباشرة هي لشعوب وقادة الدول والبلدان العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تحميل النسخة الكاملة من التقرير المترجمة إلى اللغة العربية: هنا