جنيف- يتابع المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بقلق واستهجان شديدين تقارير محلية عن استمرار مجموعات مسلحة تتبع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في زراعة ألغام أرضية مختلفة المهام، في المنازل والمنشآت التي تنسحب منها أمام تقدم القوات الحكومية في العاصمة الليبية طرابلس ومناطق محيطة أخرى.
زراعة الألغام الأرضية وما ينتج عنها من فقدان عشرات المدنيين حياتهم وتدمير الممتلكات المدنية، تدخل في إطار الأعمال التي تنضوي تحت جرائم الحرب ضمن الجرائم التي تحرك المسئولية الجنائية الدولية بحق مرتكبيها
ووفق المعطيات المتوفرة؛ فعلى غرار ما حدث قبل انسحابها من المناطق التي تسيطر عليها جنوبي طرابلس، أقدمت مجموعات مسلحة تابعة لحفتر تضم ليبيين ومرتزقة، على زراعة ألغام أرضية في العديد من المنازل والمنشآت المدنية والطرق في مدينة ترهونة -جنوب طرابلس- أحدث المدن التي انسحبت منها تلك المجموعات المسلحة.
ووفق مصادر الأورومتوسطي، عثرت القوات الحكومية بعد سيطرتها على مدينة ترهونة على كميات كبيرة من الصناديق المليئة بالألغام الأرضية المضادة للأفراد من صناعة روسية.
وتكرر هذه السيناريو في أغلب المدن التي انسحبت منها المجموعات المسلحة التابعة لحفتر، بما في ذلك العاصمة طرابلس.
وخلال 5 أيام فقط من بداية إزالة القوات الحكومية للألغام والعبوات الناسفة والفخاخ المتفجرة في العاصمة طرابلس، أواخر مايو الماضي، قتل 21 شخصًا وجرح 18، بحسب إعلام محلي. وسجل بين الضحايا نازحون عادوا لتفقد بيوتهم بعد انسحاب المجموعات المسلحة منها. وبحسب تقارير ميدانية، تمكّنت فرق الهندسة العسكرية الحكومية من تفكيك أكثر من 600 لغم، بينها 102 مضادة للدروع و218 مضادة للأفراد و280 متفجرات يدوية، خلال هذه الأيام.
وتأتي المعطيات الجديدة عن العثور على كميات كبيرة من الألغام، سواء المخبأة في صناديق، أو التي زرعت في المنازل والمنشآت، ليدلل على نهج سابق في استخدام هذا النوع من الأسلحة المحظورة دوليًا، رغم التعهدات المتكررة بعدم استخدامها في النزاع المسلح الدائر في ليبيا.
وخلّف نظام معمر القذافي عقب الإطاحة به عام 2011 كميات ضخمة من الألغام الأرضية التي استولت عليها العديد من الجهات المسلحة والأفراد. ومع حالة النزاع المسلح القائمة في البلاد بين الجهات المتصارعة المختلفة، جرى استخدام جزء من هذه الألغام، فيما تُشير معطيات مؤكدة إلى دخول كميات كبيرة من الألغام الجديدة للجهات المتقاتلة.
ووفق المعطيات الرسمية؛ فإن الألغام التي اكتُشفت في طرابلس في مايو/أيار الماضي، سوفييتية وروسية الصنع، وتضمنت طراز "بي أو إم - 2" (POM-2) و"بي إم إن-2" (PMN-2) و"إم أو إن-50" (MON-50) ذا اللون الزيتوني، وهي أنواع ترصد حديثًا في ليبيا، ما يدلل أنها دخلت البلاد في السنوات الأخيرة.
ونشرت القوات الحكومية وثائق وصورًا تظهر أربعة أنواع من الألغام الأرضية المضادة للأفراد المصنّعة في الاتحاد السوفييتي أو روسيا، وتحدثت أن الذين زرعوها هم "مرتزقة فاغنر"، وهي شركة عسكرية خاصة روسية، تدعم القوات الموالية لحفتر، في أحياء عين زارة، والخلّة، وصلاح الدين، والسدرة، ووادي الربيع في طرابلس.
وشدّد المرصد الحقوقي الدولي على أنّ زراعة الألغام الأرضية وما ينتج عنها من فقدان عشرات المدنيين حياتهم وتدمير الممتلكات المدنية، تدخل في إطار الأعمال التي تنضوي تحت جرائم الحرب ضمن الجرائم التي تحرك المسئولية الجنائية الدولية بحق مرتكبيها وهذا ما نصت عليه المادة الثانية من جرائم الحرب الفقرة (أ) ومنها:" 1) القتل القعمد والبند 3) تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو الصحة. كما أكدت الفقرة (ب) من نفس المادة في بندها الأول على أن الممارسات أدناه تعتبر من جرائم الحرب ومنها "تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية".
ولفت الأورومتوسطي إلى الضرورة الملّحة لتشكيل مجلس الأمن الدولي لجنة تحقيق في الآثار المترتبة على زراعة تلك الألغام والإيعاز للمحكمة الجنائية الدولية من أجل البدء بالتحقيق في تلك الأفعال وآثارها الخطيرة التي مست وتمس حياة عشرات المدنيين والبدء بالتحقيق تمهيدًا لعرض المخالفين لقواعد القانون الدولي ولميثاق روما للمحاكمة الجنائية الدولية.
ودعا المرصد الأورومتوسطي الحكومة الليبية إلى الانضمام رسميًا لاتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام- اتفاقية أوتاوا 1997. كما حثّ الأمم المتحدة على فتح تحقيق دولي في استخدام الألغام الأرضية وكل الأسلحة المحظورة في ليبيا من الجهات المتنازعة، ومحاسبة المتورطين فيها بما في ذلك الدول والجهات التي توفر دعمًا للقوى المسلحة التي تستخدم هذه الأسلحة، وإلزام القوات المتصارعة بالكشف عن خرائط ومخازن الألغام، بما يضمن سرعة تفكيكها وإزالة خطرها.
وطالب بإطلاق صندوق يوفر الدعم والإمكانات لإزالة الألغام وتفكيكها، وتعويض ضحاياها، سواء القديمة أو الجديدة، بما في ذلك توفير دعم ومعدات من أجل الكشف عن الألغام وتفكيكها وتقليل مخاطرها بما في ذلك العاملين في مجال تفكيكها.
خلفية
بقيت ليبيا منذ الإطاحة بالقذافي مسرحًا لصراعات دامية على السلطة بين مجموعات قبيلة وأخرى مسلحة بأجندات مختلفة، وصولًا إلى واقع تخوض فيه جهتان نزاعًا مسلّحًا منذ أبريل/نيسان 2019، للسيطرة على البلاد. فمن جهة هناك حكومة الوفاق الوطني، التي تحظى باعتراف دولي، وتسيطر على غربي ليبيا، والمجموعات المسلحة التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر التي تسيطر على شرقي البلاد. وتحظى قوات حفتر بدعم وتسليح من الإمارات، ومصر، ودعم من مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية، وآخرين من جنسيات سودانية وتشادية. فيما تحصل حكومة الوفاق على دعم تركي بموجب اتفاق بين البلدين.
ويعيد استخدام الألغام الأرضية في النزاع الليبي التذكير بزرع القوات الإيطالية والألمانية والبريطانية نحو 3 مليون لغم في الفترة ما بين 1940 - 1943 خلال معارك الحرب العالمية الثانية في ليبيا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، حيث زُرع الجزء الأعظم من تلك الألغام على طول الحدود الليبية الشرقية وبقيت آثار هذه المشكلة قائمة إلى اليوم، وتتسبب بوقوع الضحايا بين الحين والآخر. وبحسب "مرصد الألغام الأرضية"، قتلت الألغام ومخلفات الحرب منذئذ 3,252 شخصًا على الأقل في ليبيا.