باتت مسألة الانتخابات النيابية القادمة لاختيار مجلس النواب الأردني التاسع عشر، والمزمع إجراؤها في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، من أبرز اهتمامات الرأي العام الأردني في هذه الأيام، ويبدو واضحاً أن هناك آراء متباينة حول الانتخابات نفسها في ظل القانون الحالي بين مشارك ومقاطع. إلا أن أحدًا لم يلتفت إلى أنّ حق الاختيار بين المشاركة والمقاطعة ليس متاحاً لدى شريحة كبيرة ومتميزة تمثل 10% من أبناء الشعب الأردني وهم المغتربون.
وتشير إحصاءات لوزارة الخارجية أن عدد المغتربين الأردنيين (الأردنيون في الخارج من أفراد ورجال أعمال) يبلغ نحو مليون شخص موزعين على حوالي 70 دولة. يتواجد % 79.5 منهم في دول الخليج العربي و11 % في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، و4.3 % في أوروبا، والبقية يتوزعون على الدول الأخرى. ورغم التأثير المتوقع لهم، فإنّهم يبقون دون أي مشاركة في العملية الانتخابية أسوة بالكثير من مواطني دول عربية أخرى يقطنون خارج بلدانهم ويمارسون حقهم الدستوري ويشاركون في عملية صنع القرارات في بلدانهم عبر المجالس التشريعية: إما بالمشاركة في العملية الانتخابية عبر سفارات بلدهم مثل المصريين، أو تخصيص دوائر انتخابية خاصة بهم مثل المواطنين التونسيين.
ومما يجعل إدماج شريحة المغتربين في المنظومة الديمقراطية أمراً ضرورياً أنها تمتاز بخصائص نوعية، إذ يحظى معظمهم بمستوى تعليمي وثقافي عالٍ، ولديهم استقلالية اقتصادية، ويعملون في التخصصات التي تتطلب تأهيلاً علمياً ومهنياً رفيعاً كالتدريس الجامعي والمهن الطبية والهندسية. وقد أشارت دراسة لمنتدى الاستراتيجيات الأردني أن نسبة الحاصلين على الشهادة الجامعية من المغتربين هي 84% وتوزعت كالآتي: (65.4% بكالوريوس، 14.5%ماجستير، 3.9% دكتوراه). وفيما يتعلق بمساهمتهم الاقتصادية فقد صرح محافظ البنك المركزي أن "حوالات الأردنيين في الخارج شكّلت حوالي 14% من إجمالي الدخل القومي من عام 2000 إلى 2014، كما شكلت حوالي 22% من مداخيل الحساب الجاري في ميزان المدفوعات للفترة نفسها".
وعلى الرغم من أن الاستراتيجية الوطنية للمغتربين 2014-2018 الصادرة عن وزارة الخارجية قد أولت هذه القضية اهتماماً من خلال التوصية بـ"أن تقوم الجهات المختصة بدراسة مطالبات المغتربين المتعلقة بقانون الانتخاب" إلا أن ذلك لم يترجم بشكل حقيقي على أرض الواقع كحال بقية الاستراتيجية نفسها!
توزعت ردود الأفعال الرسمية التي تبرر حرمان هذه الشريحة من المواطنين من ممارسته حقهم ما بين تصريح رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبدالله النسور "بارتفاع تكلفة تنظيم العملية الانتخابية، وخشية الحكومة من أن تتهم بالانحياز إذا أتاحت الانتخابات في بعض الدول دون غيرها"، وما بين تصريح وزير التنمية السياسية الأسبق ورئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب الحالي الدكتور خالد الكلالدة بأن: "مشاركة المغتربين في الخارج رهن بموافقة مجلس النواب الذي رفض مبدئيًا التصويت الإلكتروني، وهو البوابة الأوسع لمشاركة المغتربين في الانتخابات".
من زاوية قانونية؛ فإن قانون الانتخاب الأردني قد منح كل المواطنين الأردنيين الحق في التصويت ما دام أنهم وصلوا للسن القانونية التي تأهلهم لذلك فقد ورد في المادة 3/أ منه ما يلي: "لكل أردني بلغ ثماني عشرة سنة شمسية من عمره قبل تسعين يوماً من التاريخ المحدد لإجراء الاقتراع الحق في انتخاب أعضاء مجلس النواب وفق أحكام هذا القانون".
من خلال ما سبق، نلاحظ أن القيد المفروض على هذا الحق هو السن فقط، أي أن مكان إقامة المواطن في أي مكان لا تحول بينه وبين ممارسته لحقه، وهو ذات الأمر الذي أكده العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1976 المصادق عليه من الدولة الأردنية حيث ورد في المادة 25 منه: "يكون لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة: أ- أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية، ب- أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريًا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين".
إن تفعيل النصوص القانونية المتعلقة بحق المغتربين في التصويت، سيشكل دفعة قوية لمسيرة الديمقراطية في البلاد ويعزز عملية الإصلاح السياسي، ويساهم في إدماج أكبر عدد من المواطنين في المنظومة الديمقراطية، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على الدور الرقابي والتشريعي لمجلس النواب.
في حال مشاركتهم في الانتخابات، سيقود الوعي والخبرة والاستقلالية التي يمتلكها المغتربون إلى انتخاب نواب على أساس برامجي خلافاً للمعايير التي يثار حولها الجدل اليوم كالمناطقية والمصالح الضيقة التي يتم انتخاب معظم النواب على أساسها. وبعيداً عن المال الأسود الذي يستغل الحاجة الاقتصادية والخدماتية لكثير من المواطنين، والذي أصبح يلعب دوراً مؤثراً في التوجهات التصويتية للناخبين، فإنّ إشراك المغتربين في المنظومة الانتخابية سيؤدي بالضرورة إلى التأثير في رسم السياسات الاقتصادية وتجويد العملية التنموية.
إن إشراك هذه الشريحة المهمة كماً ونوعاً في العملية الديمقراطية وتفعيل النصوص القانونية الخاصة بتمكينها من ممارسة أهم الحقوق السياسية أصبح أمراً ضرورياً لتحسين مخرجات العملية الانتخابية والارتقاء بالعملية الديمقراطية، ويأخذ الأمر أهمية إضافية في ظل الظرف الصعب الذي تمر به البلاد من أزمات على مختلف الصعد والتحديات الإقليمية والدولية؛ والتي تستلزم لمواجهتها استغلال المقدّرات البشرية المتاحة كافة، وتمكين أكبر عدد من المواطنين في المشاركة في القرارات الوطنية.