مع اقتراب الشتاء برياحه العاتية وأمطاره الغزيرة، تخيل أنك تعيش في خيمة بالية معرضة للغرق، وتنام على أغطيةٍ بلاستيكية، أو أنك مضطر للاستحمام وغسل ملابسك في البحر لعدم توفر مياه كافية. هذه هي الظروف المعيشية ل 7 آلاف و800 لاجئ وطالب لجوء عالقون الآن في موقع "كارا تيبي" الجديد الذي أُنشئ بعد احتراق مخيم موريا سيء الصيت. بمعنى آخر، مخيم "كارا تيبي" نسخة لمخيم موريا بظروفه اللاإنسانية السيئة باختلاف الاسم.
يطلق السكان على المخيم اسم "موريا 2"، بل ويرى كثيرون أنه أسوأ. وفقاً لآخر إصدار من "نشرة ليسبوس" والتي نشرها المجلس اليوناني للاجئين ومنظمة أوكسفام، كان أول هطول للمطر في أكتوبر كافيًا لإغراق أكثر من 80 خيمة وأجزاء أخرى من المخيم الجديد. أما بالنسبة للطعام، فهو لا يقدم بشكل غير كاف فحسب بل بجودة سيئة وغير صحية، ما تسبب في الأيام الأولى ببعض الحالات المرضية لدى عدد من الأطفال والنساء. وذكرت منظمة دعم اللاجئين في بحر إيجه أن العديد من الخيام لا تحتوي على أسِرّة مما يُجبر المهاجرين وكبار السن خصوصاً على النوم على أغطية بلاستيكية على أرضٍ غير مستوية.
وبالنظر إلى الظروف الصحية، فنجد أنها متدهورة أيضاً، خصوصًا في ظل جائحة فيروس كورونا وعدم إمكانية تطبيق التباعد الاجتماعي في تلك الظروف. وكما سبق ذكره، فإن طالبي اللجوء يلجؤون للاستحمام في مياه البحر لعدم وجود مياه كافية، وذلك يشكل مخاطر على صحتهم وحياتهم، إذ يمكن أن يتعرّضوا للغرق وخصوصًا الأطفال، ويمكن أن يصابوا بالتسمم نتيجة تلوث مياه البحر بمياه الصرف الصحي لعدم وجود نظام صرف صحي. ولقلة المراحيض بالمخيم، يضطر البعض للذهاب لقرى مجاورة لاستخدام مراحيض المقاهي، إذ تقول أحد الفتيات التي تعيش هناك: "تحرص أمي على أكل كمية قليلة من الطعام حتى لا تذهب للحمام".
تواجه النساء والفتيات مخاطر العنف الجنسي، إذ تقول فتاة من أفغانستان: "العديد من النساء يضطررن للاستحمام ليلاً في مياه البحر لتجنب الرجال المتواجدين بكثرة أثناء النهار ونظراتهم الطائشة".
تشكّل الظروف القاسية خطرًا على الصحة النفسية للسكان، إذ يقول شاب من سكان المخيم "نقضي يومنا في الانتظار، ننتظر إذن الخروج، وننتظر في طوابير البقالة، وننتظر أمام طوابير مقابلة طلب اللجوء، وغيرها من الطوابير، وحتى لو سُمح لسكان المخيم بالخروج من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، فإنهم لن يتمتعوا بالدعم الطبي والنفسي والاجتماعي والقانوني كما سكان الجزيرة".
يسكن في الخيام المصممة لعائلة واحدة أكثر من عائلة، وينام الرجال العازبون في أسرّة بطابقين في خيام تستوعب 200 شخص. وهذا يثير مخاوف كبيرة فيما يتعلق بكرامتهم وصحتهم العقلية وسلامتهم البدنية، لا سيما أثناء جائحة فيروس كورونا. ويزداد الوضع سوءًا بالنسبة للأطفال والشباب، إذ يتزايد عدد من يتناول منهم مضادات الاكتئاب ويواجهون صعوبة في النوم. يقول "جريج كافارنوس"، أخصائي علم النفس في منظمة أطباء بلا حدود" يشعر الأطفال في المخيم بالخذلان لدى رؤية والديهم محاصرين وغير قادرين على اتخاذ القرارات واتخاذ الإجراءات، يصبحون يائسين
اشتدت "الحرب النفسية" بسبب حقيقة أن المعسكر الجديد بني في ميدان رماية عسكري سابق، استخدمه الجنود اليونانيون للتدريب على الرماية والتدريب. مع أنه تم مسح الموقع من الألغام الأرضية والقنابل اليدوية غير المنفجرة، فإن سكان المخيم ما زالوا يعثرون على الرصاص والذخيرة مستخدمة منتشرة في جميع أنحاء المخيم. حذر خبراء علم السموم من أن هذه الأشياء لا تزال تشكل خطرًا على الصحة بسبب بقايا غير مرئية.
في هذا الإطار، تقول أم سورية تسكن المخيم: "جئنا إلى هنا لنشعر وكأننا بشر، لا أن نعامل أسوأ وأسوأ كل يوم. هناك نوعان من الحرب: الأول بالبنادق، كما هو الحال في سوريا، حيث تنتظر القنبلة في أي لحظة. والآخر هنا، حرب نفسية".
على الرغم من إصرار الحكومة اليونانية على كون هذا المخيم مؤقتًا، فمن المرجح أن يظل "موريا 2" وحقائقه القاسية الأفق الوحيد للمهاجرين في جزيرة ليسبوس.
في الواقع، أعلن وزير الهجرة واللجوء اليوناني، نوتيس ميتاراكيس، إغلاق المعسكرين الآخرين في الجزيرة، "بيكبا" و"كارا تيبي" بحلول نهاية العام. يعدّ كلاهما مثالًا على أفضل النماذج لتوفير مساحة آمنة لعدد أقل من المهاجرين المعرضين للخطر بشكل خاص، بما في ذلك القصر غير المصحوبين بذويهم، والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية خطيرة وإعاقات، وضحايا التعذيب ومجتمع الميم. على وجه الخصوص، يثبت مخيم "بيكبا" الصغير والمنظم ذاتيًا، والذي يديره معًا متطوعون ولاجئون ومقيمون، ويستند إلى مبادئ التضامن والمساواة والاتصال الإنساني، أن أوروبا لا تحتاج إلى انتهاك حريات المهاجرين لحماية حقوق المجتمع المضيف.
حتى لو تم تأجيل إغلاق المخيم الآن، فإن مستقبل مخيم "بيكبا" لا يزال غير مؤكد. في هذه الأثناء، يبدو مستقبل الاتحاد الأوروبي واضحًا، حيث يركز أكثر فأكثر على احتواء المهاجرين، بغض النظر عن أمنهم البشري.
يمثل "موريا 2" فرصة أخرى ضائعة لإثبات احترام الاتحاد الأوروبي لحقوق المهاجرين والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتقاسم المسؤولية وإيجاد حلول مستدامة طويلة الأجل لطالبي اللجوء واللاجئين. بدلاً من استثمار الأموال لتعديل معسكر موريا اللاإنساني والمنفصل وربما السام، يجب على اليونان والاتحاد الأوروبي دعم وحماية وتكرار نماذج مثل" بيكبا" و"كارا تيبي"، والتي تذكّر الجميع كيف يجب أن يكون المجتمع إيجابيًا ومتعاونًا وكيف ينبغي أن يتصرف مع الأشخاص الذين دفعتهم ظروف الحياة القاسية إلى الهجرة واللجوء.