جنيف- أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء تدهور صحة عدد من معتقلي حراك الريف في المغرب عقب إضرابهم عن الطعام احتجاجًا على المعاملة غير الإنسانية التي يتعرّضون لها داخل السجون.
 

   على السلطات المغربية أن تكف عن ممارساتها المؤسفة ضد معتقلي حراك الريف، والتي تخالف القوانين المحلية والدولية   

طارق الحجار، مستشار قانوني لدى الأورومتوسطي

 

وقال المرصد الحقوقي الأوروبي، ومقرّه جنيف في بيانٍ صحفيٍ اليوم الخميس، إنّه وثّق تعرُّض اثنين من معتقلي حراك الريف؛ وهما "محمود بوهنوش" و"ناصر الزفزافي" لجملة من الانتهاكات أدّت إلى تدهور حالتهما الصحية، خاصةً مع دخولهما إضرابًا عن الطعام والماء احتجاجًا على ظروف احتجازهما في الحبس الانفرادي، ومنعهما من التواصل مع عائلتيهما، فضلًا عن حرمانهما من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة.

وبيّن أنّ سلوك السلطات المغربية يهدف فيما يبدو إلى إذلال المعتقلين والحط من كرامتهم، وإحباط وترهيب المحتجين لثنيهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة، إذ تنتهج السلطات سياسة أمنية بحتة في التعامل مع المظاهر الاحتجاجية تبدأ بالقمع الميداني، ومن ثم الاعتقال والملاحقة، والتحقيق القاسي الذي قد يتخلله عمليات تعذيب جسدي ونفسي، ومن ثم محاكمات غير عادلة تنتهي بأحكام جائرة، وصولًا إلى عمليات الإذلال المتعمد داخل السجون كالعزل الانفرادي والتقييد والإهمال الصحي.

وثمّن الأورومتوسطي الدعوة التي وجهتها النائبتين في البرلمان الأوروبي "كاتلين فان برومبت"، و"كاتي بيري" في 16 فبراير/شباط الجاري للسلطات المغربية من أجل العمل على الإفراج عن معتقلي حراك الريف، ووقف الانتهاكات المتعمدة بحقهم، لافتًا إلى أهمية ممارسة الضغوط على السلطات المغربية لوقف انتهاكاتها للحقوق والحريات في المملكة.

وفي مقابلة مع "خالد أمعز"، وهو محامٍ موكل عن عدد معتقلي حراك الريف، قال لفريق الأورومتوسطي إن "حالة المعتقل "محمود بوهنوش" الصّحية كانت متدهورة للغاية بعد 14 يومًا من الإضراب عن الطعام، حيث سبب الإضراب له هزالاً شديدًا استدعى نقله إلى إحدى غرف مصحة السجن يوم الإثنين الموافق 15 فبراير/شباط 2021،" مضيفًا أنه أخبره خلال زياته عن تعرضه لمعاملة حاطة بالكرامة تمثلت "بتصفيد يديه إلى الوراء والطواف به على أجنحة السجن، فضلًا عن إيداعه في مصحة تشبه السجن الانفرادي، قبل أن يعلّق إضرابه عن الطعام في وقتٍ لاحق".

 

في 22 فبراير/شباط الجاري، استدعت المحكمة المحامي "أمعز" على خلفية بلاغ تقدّمت به إدارة سجن "الناظور 2" لكشفه عن الظروف غير الإنسانية التي يتعرّض لها المعتقلون، فيما يبدو أنّها محاولة لإسكاته وثنيه عن كشف التجاوزات المرتكبة بحق المعتقلين. 

وفي 18 فبراير/شباط الجاري منعت السلطات المحلية بمدينة الحسيمة أهالي المعتقلين من تنظيم وقفة للاحتجاج على الظروف غير الإنسانية التي يتعرّض لها ذووهم داخل السجون، دون إبداء أسباب منطقية للمنع.

وفي إفادة لفريق الأورومتوسطي حول الإهمال الطبي داخل السجون، قال "أحمد الزفزافي" والد المعتقل "ناصر الزفزافي": "إضراب نجلي ناصر عن الطعام أدى إلى تعرضه لحالة إغماء مفاجئة أدت إلى سقوطه، حيث وُجد مضرجًا بدمائه بسبب حدوث نزيف استمر مدة ساعة و20 دقيقة دون أن يلتفت إليه أحد في المعتقل، مع هبوط شديد في مستوى السكر في الدم، واصفرار في الوجه، وبياض على الشفتين، قبل أن يعلق إضرابه عن الطعام يوم 17 فبراير/ شباط الماضي".

وقال المستشار القانوني لدى الأورومتوسطي "طارق حجّار" إنّ على السلطات المغربية أن تكف عن ممارساتها المؤسفة ضد معتقلي حراك الريف، والتي تخالف القوانين المحلية والدولية، حيث نص الدستور المغربي لعام 2011 في الفصل (22) على أنه "لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون"

ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات المغربية إلى وقف جميع التجاوزات بحق معتقلي حراك الريف، والتحقيق في جميع التجاوزات التي يتعرضون لها، ومحاسبة المتورطين وفق القوانين المحلية ومقتضيات القانون الدولي. كما شدّد على ضرورة التأكد من تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمعتقلين، وتمكينهم من التواصل مع عائلاتهم ومحاميهم على النحو الذي يكفله القانون.

وحث السلطات المغربية على حماية وصون الحق بالتظاهر وحرية التعبير عن الرأي لجميع المواطنين دون أي قيود أو تعسّف، وإطلاق سراح جميع معتقلي "حراك الريف" فورًا وتحقيق مطالبهم المعيشية والتنموية.

 

خلفية

اندلع "حراك الريف" في مدينة الحسيمة شمالي المغرب في أكتوبر/تشرين 2016 احتجاجًا على مقتل بائع السمك "محسن فكري"، وللمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وإنشاء مشاريع تنموية، وتطوير منطقة الحسيمة وإنهاء تهميشها. سارعت السلطات المغربية إلى قمع الاحتجاجات، واعتقلت مئات من المتظاهرين بين شهري مايو/ أيار ويوليو/تموز 2017، بينهم "ناصر الزفزافي" –يعد من أبرز قادة الحراك- و"محمود بوهنوش". في يونيو/حزيران 2018، عاقبت المحكمة "ناصر الزفزافي" بالسجن 20 عامًا، وسجنت 49 آخرين لفترات تتراوح بين عامين و15 عامًا، وأدانتهم بتهم تعسفية وغير عادلة.  يقدر عدد معتقلي حراك الريف حاليًا بنحو 60 معتقلاً، يخضعون لظروف سجن صعبة ومعاملة غير إنسانية.