ينظر القانون الدولي للأطفال المتنقلين، سواء كانوا مصحوبين أم لا، على أنّهم أطفال قبل أن يكونوا مهاجرين، ويوفر لهم الحماية بصفتهم أطفالًا لا مهاجرين، ولذلك فإنّ مصالحهم الفضلى يجب أن تُعطى الأولوية دائمًا.  وبخلاف ذلك، فإنّ سياسات الهجرة الأوروبية الحالية تفضّل الاحتواء على الحياة الإنسانية.

في حادثة وصفتها الصحافة الإيطالية بـ"مذبحة الأطفال" في أكتوبر 2013، لقي 200 مهاجر وطالب لجوء من بينهم 60 طفلاً مصرعهم عندما انقلب قارب صيد كان يقل أكثر من 400 مهاجر من ليبيا أثناء محاولته الوصول إلى إيطاليا. وعلى الرغم من نداءات الاستغاثة العديدة الموجهة إلى كل من السلطات الإيطالية والمالطية، لم يأت أحد لإنقاذهم لمدة أربع ساعات.

كان من بين الناجين الدكتور السوري مهند جامو، والذي فقد طفلين أحدهما بعمر 9 شهور، والآخر 6 سنوات.

في يناير/كانون الثاني 2021، أدانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إيطاليا لفشلها في حماية الحق في الحياة لأولئك الذين غرقوا على متن القارب، وقالت إنّ السفينة الحربية الإيطالية "ITS Libra" كانت على بعد ساعة واحدة فقط من موقع الحادث. وأوضحت عضو اللجنة السيدة "هيلين تيجرودجا" أنّ تأخر إيطاليا في التحرك كان له سبب مباشر في فقدان مئات الأرواح.

وفي وقت لاحق، كتبت كريستينا كاتانيو، طبيبة شرعية تتعرف على جثث المهاجرين الذين ماتوا أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط، كتابًا يعيد بناء قصصهم التي لم تروَ، لإحياء ذكراهم اعتمادًا على بقايا متعلقاتهم الشخصية. تمكنت "كاتانيو" من سرد قصة صبي يبلغ من العمر 14 عامًا من مالي توفي قبل سنوات في البحر، إذ كان يحمل معه البطاقة المدرسية الخاصة به. وبالمثل، تم العثور على جثة صبي إريتري ومعه كيس من التراب، ربما من منزله، بينما كان هناك صبي من غانا يحمل بطاقة مكتبته معه.

هؤلاء الأطفال الثلاثة، فقدوا أرواحهم بعد فرارهم من بلدان مختلفة. بعضهم يحمل القليل من الماضي، والبعض الآخر قليلاً من المستقبل، لكنهم جميعًا حملوا نفس التصور: حياة أفضل في أوروبا.

ومع ذلك، فإنّ الإدانات القانونية والقصص الملموسة عن المعاناة الإنسانية لم تفتح أعين السلطات الأوروبية وصناع السياسات لاتخاذ إجراءات فعلية تخفف من معاناة المهاجرين وطالبي اللجوء.

قبل بضعة أسابيع وتحديدًا في 16 مارس/آذار الماضي، توفيت طفلة من مالي (عمرها عامان) في إحدى المستشفيات الإسبانية بعد إنقاذها من قارب مكتظ لطالبي اللجوء، حيث عُثر عليها وهي فاقدة للوعي. وبوجودها في البحر لمدة أربع ساعات، عانت من انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم وتعرضت لسكتة قلبية بسبب البرد

وقبل أيام قليلة، وتحديدًا في 27 مارس/أذار الماضي، أنقذت سفينة تابعة لمنظمة “Open Arms”219 طالب لجوء، بينهم امرأتان حاملان، و56 من القاصرين بينهم 12 غير مصحوبين بذويهم، و17 آخرين تحت سن عشر سنوات.

ورغم وجود حالتين مرضيتين خطيرتين على متن السفينة إحداهما لطفلة، بقيت السفينة 5 أيام في المياه قبل أن تسمح لها السلطات الإيطالية بالرسو في مرفأ بوزالو.

خلال مدة انتظارها في المياه، نُشرت عدة فيديوهات من داخل السفينة تظهر أطفالًا من أعمار مختلفة يلعبون ويمرحون ويلوحون بأيديهم إلى الكاميرات ليذكروا الجميع أنّهم أولًا وقبل كل شيء، أطفال.

يتعرض الأطفال من طالبي اللجوء لنفس التجريم والمعاملة اللاإنسانية التي يتعرض لها طالبو اللجوء البالغين، وتحديدًا على الحدود التي تشكل مكانًا خطيرًا عليهم.

غالبًا ما ينظر إلى الأطفال على الحدود بريبة من قبل المسؤولين الذين يشككون في سنهم وفي أسباب الفرار أو البقاء بمفردهم. ويمكن أن يتعرضوا للعنف أو للاحتجاز التعسفي المطول من قبل حرس الحدود. وفي بعض الحالات، لا يكون باستطاعتهم الحصول على تقييم للعمر، وتتبع للأسرة، وتعيين وصي وممثل قانوني.

وكما حدث مع سفينة "Open Arms"، ترفض الدول الأوروبية السماح لسفن المساعدة الإنسانية التي تحمل أطفالًا بالرسو في موانئها، وتضطرها إلى أن تظل عالقة في المياه لأيام، بل لأسابيع.

لسوء الحظ، هناك إحصائيات محدودة حول حركة الأطفال المتنقلين ومعاملتهم في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وفقًا لأحدث بيانات "يونيسف"، وصل بين يناير 2020 وفبراير 2021 حوالي 15918 طفلًا إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يمثل 17٪ من إجمالي الوافدين عن طريق البحر.

يحمي القانون الدولي الأطفال المتنقلين، وينظر إليهم بصفتهم أطفالًا لا مهاجرين، إذ ينص على منح كل شخص أقل من 18 عامًا ضمانات إجرائية مراعية للأطفال.

تنص المادة 24 من ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية: "يجب أن يتمتع الأطفال بالحق في الحماية والرعاية اللازمتين لرفاههم" و "في جميع الإجراءات المتعلقة بالأطفال، سواء تم اتخاذها من قبل السلطات العامة أو المؤسسات الخاصة، فإن مصالح الطفل الفضلى يجب أن تكون الاعتبار الأساسي".

ويُستمد مبدأ مصالح الطفل الفضلى من المادة 3 من اتفاقية حقوق الطفل، وهي المعاهدة الدولية لحقوق الإنسان التي تم التصديق عليها على نطاق واسع، والتي صدّقت عليها جميع دول الاتحاد الأوروبي.

إنّ تحديد ما هو في مصلحة كل طفل يتطلب تقييمًا واضحًا وشاملًا لهوية الطفل، بما في ذلك جنسيته وخلفيته العرقية والثقافية واللغوية ونقاط الضعف الخاصة واحتياجات الحماية. كما أنّ السماح للطفل بالوصول إلى بلاد اللجوء الآمنة هو الشرط الأساسي لحمايته ولنجاح عملية التقييم.

تكفل المادة (6) من اتفاقية حقوق الطفل إلى جانب الحق في الحياة، نمو الطفل "إلى أقصى حد ممكن". كما أنّ التعليق العام رقم 6 للجنة حقوق الطفل يقدم مزيدًا من الإرشادات حول حماية الأطفال المتنقلين وخاصة الأطفال غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم. وهذا يشمل، في جملة أمور، ضرورة تحديد جميع هؤلاء الأطفال وتسجيلهم في أقرب وقت ممكن بعد دخولهم البلد المضيف.

وفقًا للمبادئ التوجيهية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإنّه يجب معالجة طلبات اللجوء التي يقدمها الأطفال، سواء كانوا مصحوبين أم لا، على أساس الأولوية، وكذلك مع فترات انتظار مخفضة في كل مرحلة من مراحل إجراءات اللجوء.

تعاني سياسات الهجرة في معظم دول الاتحاد الأوروبي من قصور واضح فيما يتعلق باحتياجات وحقوق المهاجرين المعرضين للخطر بشكل خاص، مثل النساء الحوامل والأطفال، مما يؤدي إلى ثغرات خطيرة في الحماية لهم في جميع مراحل عملية الهجرة، لا سيما عند رفض الدخول أو تأخيره.

 إنّ التأخير في إنقاذ المهاجرين وتحويل المسؤولية بين دول الاتحاد الأوروبي، والدعاية المناهضة للمهاجرين - هي جزء من سياسات الهجرة الطائشة وغير الأخلاقية للاتحاد الأوروبي التي تقدر الاحتواء على حياة الإنسان. لقد اعتدنا على إبعاد المهاجرين تمامًا، وتعريفهم سريريًا على أنهم "مهاجرون غير شرعيين"، كما لو كانوا تجمعًا خطيرًا وليسوا بشرًا يطلبون اللجوء، لدرجة أننا نفشل في الاعتراف بهوية كل فرد وقصته وحتى طفولته.