سنَّ البرلمان الدنماركي قانونًا يسمح بترحيل طالبي اللجوء إلى دول ثالثة غير محددة خارج أوروبا لتعالج طلبات لجوئهم وتستضيفهم، الأمر الذي سيدفع باتجاه استمرار الأعباء غير المتكافئة بين البلدان وسيعرض حقوق طالبي اللجوء والمهاجرين فضلًا عن نظام الحماية الدولي للخطر، ويشكل انعدامًا للثقة المتبادلة بين دول الاتحاد الأوروبي.
على الرغم من إدانة الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية، صدّق المشرعون الدنماركيون في 3 يونيو/حزيران بأغلبية كبيرة على العديد من التعديلات على قانون الأجانب الدنماركي بما يسمح بنقل طالبي اللجوء إلى مراكز خارجية لمعالجة بياناتهم.
غالبًا ما تتستر مساعي الاستعانة بجهات خارجية بذريعة إنقاذ الحياة والإيثار وحتى الإنسانية بدلاً من تسميتها بمسماها الحقيقي وتأطيرها كما هي، استراتيجية لاحتواء الهجرة والسيطرة عليها دون اعتبار للتكلفة البشرية.
لا يوجد أي اتفاق ثنائي رسمي مع دولة ثالثة حتى اللحظة، لكن الحكومة الدنماركية صرحت أنها تجري محادثات مع عدة دول، وذكرت وسائل الإعلام الدنماركية مصر وإريتريا وإثيوبيا كاحتمالات، وقد وقّعت الدنمارك في نهاية أبريل/نيسان الماضي مذكرة تفاهم مع الحكومة الرواندية تغطي قضايا الهجرة واللجوء.
وعلى الرغم من أن المذكرة غير مُلزِمة، فقد حددت الدنمارك نواياها بوضوح، حيث دعت المذكرة إلى تغييرات في نظام اللجوء الحالي والذي وُصف أنه "غير عادلٍ وغير أخلاقي، حيث يحفز المهاجرين على سلك طرق الهجرة الخطرة بينما يكسب المتاجرون بالبشر ثروات طائلة."
حتى أن القانون الدنماركي الجديد نفسه يستند إلى فرضية خاطئة مفادها أنه سيوفر بديلاً إنسانيًا لطلب اللجوء عن طريق إزالة حافز القيام برحلات خطرة على أيدي المتاجرين بالبشر، حيث قال راسموس ستوكلاند، نائب دنماركي وعضو لجنة الهجرة والإدماج بالبرلمان الدنماركي: "سيتوقفون عن الذهاب إلى الدنمارك ووضع أنفسهم في خطر البحر الأبيض المتوسط وإهدار الكثير من الأموال في الدفع للمهربين".
ولكن في الواقع وبموجب القانون الجديد، ما يزال يتعين على طالبي اللجوء الوصول إلى الحدود الدنماركية ودخول أراضيها لتقديم طلب اللجوء وبعد ذلك سيتم نقلهم جوًا خارج أوروبا لمعالجة قضاياهم وربما الحصول على الحماية هناك، في بلد شريك ما يزال مجهولًا.
ستستمر انتهاكات حقوق الإنسان والمعاناة التي يتعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء في الرحلات الفظيعة التي يُجبرون على القيام بها عن طريق البر أو البحر بغض النظر عن سنهم أو بلدهم الأصلي أو سبب نزوحهم أو ظروفهم الصحية. وسيستمر جميع المهاجرون في المخاطرة بحياتهم بشكل روتيني، وتحمل الجفاف والجوع والاحتجاز التعسفي والابتزاز المنهجي والاعتداء الجنسي وسوء المعاملة في محاولتهم الوصول إلى الدنمارك وأوروبا. وإذا طُبّق هذا القانون فسيتعيّن على المهاجرين المرور بكل ما سبق فقط ليتم نقلهم جوًا إلى قارة أخرى. وفي النهاية، لن يتمكن أي طالب لجوء من الاستقرار في الدنمارك على الإطلاق.
وهذا هو الهدف تحديدًا، تثبيط وإلغاء الحق في طلب اللجوء في انتهاك صريح لاتفاقية اللاجئين. هذه التعديلات هي في الواقع أحدث خطوة في سلسلة طويلة من السياسات الصارمة التي أدخلتها الدنمارك للحد من الهجرة، ولم يُخفِ رئيس الوزراء فريدريكسن أبدًا أن طموح الدنمارك يتمثل في "عدم استقبال أي طالب لجوء."
الجهود الدنماركية المتعددة للتهرب من مسؤولياتها غير مقبولة لأي دولة بشكل عام، وبشكل خاص لدولة أوروبية ثرية وعضو في اتفاقية اللاجئين. وعلى الرغم من كون الدنمارك أقل التزامًا بمجموعة قوانين اللجوء في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها ما تزال جزءًا من اتحاد إقليمي يهدف ككل إلى تطوير مساحة مشتركة تكافح من أجل إيجاد حلول مستدامة ومنسقة لإدارة تدفقات الهجرة.
فمن ناحية، سيؤدي هذا الإجراء أحادي الجانب إلى تقليص الثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء وإثارة الإحباط بين دول الصف الأول الأكثر تأثرًا بالأعداد الكبيرة من الوافدين بسبب موقعها الجغرافي. وكما قال "تيم وايت" من شركة أكشن إيد الدنماركية: "الدنمارك تتخلى عن شركائها الأوروبيين."
ومن ناحية أخرى، قد يكون للخطوات الدنماركية تأثير مقلق يجعل جميع الدول الأوروبية المستعدة للتخلي عن مسؤولياتها تتساقط كقطع الدومينو بعد الدنمارك لثني المهاجرين عن طرق أبوابهم، حيث حذرت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية "إيلفا جونسون" من أن ذلك قد يكون له "تداعيات على دول الاتحاد الأوروبي المجاورة."
وقد بدأت بالفعل وزيرة الداخلية البريطانية "بريتي باتيل" محادثات مع الدنمارك بشأن مركز خارجي مشترك لمعالجة اللاجئين في بلد ثالث في أفريقيا.
في خطاب ألقته وزيرة الداخلية "باتيل" أخيرًا عن الخطة البريطانية الجديدة للهجرة، قالت إنّها تتضمن سياسة لإنقاذ الأرواح و"منع الأشخاص من المخاطرة بحياتهم في رحلات خطرة إلى المملكة المتحدة" وكضرورة أمنية من شأنها أن تزيل فرصة "مواصلة العصابات البغيضة حشو جيوبها".
ومع ذلك، فقد أدت هذه الخطوات ضد مهربي البشر في المملكة المتحدة إلى تجريم طالبي اللجوء أنفسهم، ومثال ذلك تجريمهم بسبب قيادة قوارب التهريب في حالاتٍ أُجبروا فيها على القيام بذلك. ومن المرجح أن يتجاوز ضرر السياسة الدنماركية الجديدة الحدود الوطنية والإقليمية.
إن خطة إسناد المسؤولية إلى جهات خارجية قد تؤدي إلى تفككٍ تدريجيٍ لنظام الحماية الدولية الهش، وتشجع نهجًا معاكسًا لسياسة الهجرة الخارجية الأسترالية، والتي بات أساسها القانوني موضع تشكيكٍ من قبل المحكمة واستنكار متكرر من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان.
وصف بيل فريليك، مدير قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش، التشريع الدنماركي الجديد بأنه "صفعة على الوجه" للحكومات التي وافقت على "تقاسمٍ أكبر للمسؤولية" بموجب الميثاق العالمي للاجئين.
وقالت "شارلوت سلينتي"، رئيسة المجلس الدنماركي للاجئين: "إذا لم تتحمل دولة غنية مثل الدنمارك المسؤولية فهناك خطر كبير يتمثل في أنّ الدول التي تستضيف عددًا أكبر بكثير من اللاجئين ستنسحب أيضًا وتتخلى عن الجهود العالمية لإيجاد حلول مشتركة ومستدامة".
من المهم أن يوضع في الاعتبار أن حوالي 90٪ من اللاجئين في العالم تستضيفهم البلدان النامية الأقل تطورًا مثل كولومبيا وباكستان وأوغندا والتي تفي بالتزاماتها الدولية على الرغم من مواردها المحدودة. كما أن الغالبية العظمى من اللاجئين من أفريقيا وآسيا لا يأتون إلى أوروبا، بل ينتقلون إلى البلدان المجاورة لبلدانهم الأصلية.
وعلى سبيل المثال، كانت رواندا ترحب بالمهاجرين من الكونغو وبوروندي المجاورتين منذ أكثر من عقدين ولكن بينما يتمتع اللاجئون عمومًا ببيئة حماية مواتية هناك، يظل معظمهم معتمدين على المساعدة لتلبية احتياجاتهم الأساسية. ونظرًا لأن فرص كسب المعيشة المستدامة للاجئين في رواندا نادرة بالفعل، فمن المحتمل أن إمكانية زيادة عدد الأشخاص الذين يتم استضافتهم مع طالبي اللجوء والذين ترسلهم الدنمارك بعيدًا قد لا يحقق الالتزامات الدولية.
عادةً ما تتضمن محاولات الاستعانة بجهات خارجية، نقل طالبي اللجوء إلى دول أقل تقدمًا مثل أثيوبيا وأريتريا، مما يضع أعباءً غير متناسبة على عاتق الدول محدودة الموارد والمضطرّة إلى السعي لضمان الحماية والحلول طويلة الأمد التي لا تتحمس البلدان الغنية والأكثر تطورًا لتقديمها.
إن الفكرة المتمثلة في الحد من الهجرة من خلال الاستعانة بجهات خارجية مثل البلدان الأقل نموًا أو الأقل استقرارًا تديم هياكل القوة غير المتكافئة بين الدول والشعوب، وتدفع باتجاه احتواء المشكلة بأي ثمن، جاعلةً من المهاجرين وطالبي اللجوء أشياءً يمكن تسويقها والإتجار بها كما لو كانوا سلعًا.
على مدار العقد المنصرم توصّل الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي إلى سياسات وممارسات إشكالية وقصيرة الأجل، مثل إبقاء الأشخاص محاصرين في بؤرٍ مزدحمة تشبه السجون وإرجاع قوارب المهاجرين إلى المياه الدولية وتجريم المدافعين عن حقوق المهاجرين ودفع الملايين إلى دول ثالثة مثل تركيا وليبيا من أجل الاحتواء المباشر أو غير المباشر للأشخاص المتنقلين.
ومع ذلك، فإنّ المفوضية الأوروبية لديها الآن فرصة لتغيير المسار ومواءمة قانون اللجوء الأوروبي ودعم الحق المشروع للمهاجرين في طلب اللجوء والتمتع به في أوروبا كمساحة مشتركة لإيقاف الخطط الدنماركية اللاإنسانية للنقل القسري لطالبي اللجوء إلى دول ثالثة حيث قد لا تكون ضمانات حقوق الإنسان هناك كافية.