جنيف- عقد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ندوة افتراضية استضاف فيها خبراء حقوقيين لمناقشة موجات اللجوء على حدود الاتحاد الأوروبي، وما رافقها من مظاهر تمييزية وعنصرية.
وتناولت الندوة التي جاءت بعنوان "معايير مزدوجة على حدود الاتحاد الأوروبي"، التناقض الأوروبي بين الاندفاع المشروع لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين، وتجاهل جميع المآسي الإنسانية الأخرى التي تتعلق بالمهاجرين وطالبي اللجوء داخل أوروبا، من الحدود البيلاروسية البولندية إلى البحر الأبيض المتوسط، ومن طريق البلقان إلى القناة الإنجليزية.
وشاركت في الندوة -التي أدارتها باحثة الهجرة واللجوء في المرصد الأورومتوسطي "ميكيلا بولييزي"- الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع بجامعة بوسطن "هبة جويد"، والصحفية والناشطة الحقوقية البولندية "آنا ألبوث"، واللتان أكدتا في حديثهما أنّ جميع طالبي اللجوء متساوون في الكرامة والحقوق، وأنه يجب توفير طرق آمنة لجميع المهاجرين وطالبي اللجوء، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنسية.
وركزت البروفيسورة "جويد" بشكل خاص على نفاذية الحدود، ودورها الفعلي في إقصاء بعض الأشخاص بناء على أعراقهم بدلاً من حمايتهم. كما تناولت التفاوتات المستمرة التي يعيشها اللاجئون في جميع أنحاء العالم بسبب الماضي الاستعماري والتدخلات العسكرية والاقتصادية الأجنبية في بلدهم الأصلي.
وقالت: "في حين أنّ كل شخص يتعرض للاضطهاد يدفع تكاليف بشرية باهظة لا يمكن تخيّلها، فإنّ الأنظمة التي يحاولون إيجاد الحياة الرغيدة عندها لا تعاملهم جميعًا بنفس المبدأ".
وأضافت، "العرق مهم. إنه مهم في تشكيل من يُنظر إليه على أنّه إنسان. إنه يحدد من تُقدَّر حياته، ومن يُعترَف به كشخص يستحق دعم الدولة وحق اللجوء ومن لا يستحق".
وأشارت إلى أنّ "العالم يولي اهتمامًا أكبر للأشخاص الفارّين من أوكرانيا لأنّهم بيض ومسيحيون، لافتة إلى أنّ مظاهر العنصرية الجديدة التي طفت على السطح مع الحرب في أوكرانيا، كانت دائمًا مسبوقة بعنصرية أقل صخبًا وأكثر ضررًا يتعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء منذ وقت طويل في أوروبا.
وقالت: "اللاجئون يطرقون أبواب نفس البلدان التي صممت سياستها الخارجية لإخضاعهم وقهرهم، وبنت سياستها الداخلية على نفس العنصرية التي سهلت تطبيق السياسات الخارجية".
وسلّطت "جويد" الضوء على التناقض الصارخ بين حياة اللاجئين السوريين الذين يعيشون في فقر مدقع في مخيمات اللاجئين في اليونان أو في تركيا، وبين الأربعة ملايين أوكراني الذين حصلوا على إقامات وأذونات عمل فور لجوئهم بموجب توجيه الحماية المؤقتة.
وقالت: "حتى عندما يُمنح اللاجئون غير الغربيين الحماية القانونية فإنّهم لا يشعرون بالترحيب، بل غالبًا ما يتم تجاهل إمكانياتهم ومهاراتهم وقدراتهم وآمالهم وتطلعاتهم لأنفسهم ولأطفالهم، ويجدون أنفسهم مضطرين للتعامل مع الأنظمة التي تعامل على أنّهم غرباء".
حماية بعض المدنيين مع ترك آلاف آخرين في حالة من اليأس عمداً على نفس الحدود ليس حلاً، فالمهم هو ألّا يظل أحد عالقًا بين الحدود المميتة
ميكيلا بولييزي، باحثة في شؤون اللجوء والهجرة لدى المرصد الأورومتوسطي
واختتمت جويد مداخلتها بالقول: "رد الفعل تجاه اللاجئين الأوكرانيين يُظهر أنّ نفاذية حدودنا ]الاتحاد الأوروبي[ ليست مرتبطة بسيادة الدولة بقدر ما هي مرتبطة بالإرادة السياسية".
من جهتها، استعرضت "آنا ألبوث"، صحفية بولندية ورُشحت في عام 2018 لجائزة نوبل للسلام، تجربتها الخاصة في الميدان، والتناقض اللافت في التعامل مع اللاجئين على الحدود البولندية-الأوكرانية واللاجئين على الحدود البولندية -البيلاروسية.
وقالت "ألبوث" في وصفها لتعامل حرس الحدود البولندي مع المهاجرين غير الأوروبيين: "بدلاً من رعاية الأطفال على الحدود، كانوا يصرخون عليهم، ويهددونهم، ويدفعونهم بوحشية نحو السياج مع بيلاروسيا".
وأضافت، "هناك عدد قليل من النشطاء الذين يقدمون المساعدة على الحدود البيلاروسية. نعمل هناك تحت خطر الاعتقال ونجازف بصحتنا الجسدية والعقلية عندما نذهب ليلاً إلى هذه الغابة حيث لا أحد يعرف ماذا سيحدث".
وأشارت "ألبوث" إلى أنه ما يزال هناك ما يقرب من 100 طالب لجوء معظمهم من الشرق الأوسط محاصرون بين الحدود البولندية البيلاروسية، ويعانون من سوء التغذية والجفاف والمرض، وقالت: "إنّ كل ما في الأمر هو سياسة تقوم على ترك الناس يموتون. ربما هي ليست قتلًا فعليًا، ولكنها تقوم على ترك الناس يموتون، في ظل إدراكهم [السطات] أن هؤلاء ليس لديهم فرصة للبقاء على قيد الحياة في هذا النوع من الظروف".
وتناولت ألبوث ما وصفته بـ"الألاعيب اللغوية" التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، مستشهدة بالاختيارات الخطابية والمرئية لوسائل الإعلام، والتي تحدد من يمكن اعتباره لاجئًا ومن لا يمكن اعتباره لاجئًا.
وأشارت إلى تأثير وسائل الإعلام على المشهد، وقدرتها على إضفاء الطابع الإنساني على الصراع، كما تفعل جميع القنوات الإخبارية الغربية في تغطيتها للأحداث في أوكرانيا.
وقالت: "نرى الوجوه الحزينة للنساء هناك [في أوكرانيا]، لكننا لا نستطيع رؤية وجوه الناس على الحدود البيلاروسية. أعتقد أنّ فرض حالة الطوارئ ]على الحدود البولندية البيلاروسية[ كان ذكيًا بشكل قاسٍ، إذ تم حظر نشر الصور التي من شأنها أن تؤثر فينا وتحفزنا على التحرك. عندما يُسمح للناس بالمساعدة، عندما يقدرها المجتمع تمامًا ولا يتم تجريمها، يكون كل شيء أسهل، والوضع الذي نعيشه الآن يثبت ذلك".
وقالت "ألبوث" في ختام مداخلتها: "في عام 2015، لم ترغب بولندا في استقبال 7,000 سوري من اليونان ضمن برنامج إعادة التوطين لأنه لم يكن لدينا مكان كافٍ لهم، وفجأة، أصبح لدينا مكان لمليوني أوكراني".
من جانبها، قالت باحثة الهجرة واللجوء في الأورومتوسطي "ميكيلا بولييزي": "بينما يستحق اللاجئون الأوكرانيون بالتأكيد حماية فورية وشاملة، لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يتم ذلك على حساب الفئات الضعيفة الأخرى. إن حماية بعض المدنيين مع ترك آلاف آخرين في حالة من اليأس عمداً على نفس الحدود ليس حلاً، فالمهم هو ألّا يظل أحد عالقًا بين الحدود المميتة".