جنيف –

 قوبل قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالانضمام إلى خمسة عشر منظمة ومعاهدة واتفاقية دولية، من أصل ثلاثة وستين، بتأييد فلسطيني داخلي ودعم عربي خارجي، رغم موقف الأمين العام للجامعة العربية الداعي إلى تمديد فترة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، في إشارة واضحة إلى "عدم التصعيد" من جانب السلطة، والتي أكدت بدورها على لسان رئيسها أنها "لا تريد استخدام هذا الحق ضد أحد، ولا تريد أن تصطدم مع الإدارة الأمريكية بالذات".

ويوضح المستشار القانوني في "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" إحسان عادل، الذي قام بعمل بحث حول الاتفاقات والمعاهدات التي وقع عليها الرئيس الفلسطيني لبدء الإجراءات بالانضمام إليها، أن توقيع الرئيس الفلسطيني على قرار بالانضمام إلى عدد من الاتفاقيات والمعاهدات "لا يعني أن فلسطين قد أصبحت تلقائيًا جزءًا من هذه الاتفاقيات، فهناك شروط خاصة بكل اتفاقية لاعتبار الانضمام إليها صحيحاً. وبالتالي فالجهة المودعة للاتفاقية يناط بها الآن دارسة الطلب الفلسطيني بالانضمام إليها. ولكن يُفترض بعد قرار الجمعية العامة اعتبار فلسطين دولة مراقب غير عضو، والذي اتخذ قبل عامين، أن العائق الرئيسي الذي كان موجوداً أمام فلسطين للانضمام للمعاهدات الدولية قد أُزيح".

 "أسرى حرب"

ويشير عادل في تصريح لـ "قدس برس" إلى أن انضمام فلسطين إلى معاهدات دولية له فوائد كثيرة، في حال تم تطبيقها ومتابعتها؛ إذ يفترض أن يؤثر ذلك بشكل مباشر على الصراع الدائر مع الاحتلال الإسرائيلي؛ كاتفاقية لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية واتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول الملحق به. وهذه الاتفاقيات تنص على حماية المدنيين وقت الحرب، وعلى أن أفراد الأجهزة الأمنية من حقهم أن يقوموا بمجابهة الاحتلال في حالة دخوله لإحدى المدن الفلسطينية، وأنهم يعدّون أسرى حرب في حالة اعتقالهم.

والخلاصة هنا، كما يقول، أن "هذا الانضمام عموما سيؤهل فلسطين لتكون في موضع أفضل لمطالبة إسرائيل بالالتزام بتطبيق الاتفاقيات المتعلقة بالوضع القانوني للسجناء الفلسطينيين، ويفتح المجال أمام تدويل قضية الأسرى إذا ما بُذِل جهد حقيقي ومدروس بهذا الصدد.

ويلفت الانتباه أيضاً إلى أن هذا الانضمام للاتفاقيات الدولية "يمكن ـ إذا ما أُحسن استثماره فلسطينياً ـ أن يساعد في تقوية الموقف الفلسطيني من إسرائيل، وحشر دول العالم لتغدو أكثر صرامة في التعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية، لأن الاتفاقيات التي هذه الدول جزء منها تلزمها باتخاذ موقف إزاء انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب بحق دولة أخرى عضو في الاتفاقية. مثال ذلك موضوع الاستيطان".

 تقييد حركات التحرر الفلسطينية

ويشير عادل إلى أن انضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف "يوجب عليها أيضاً الالتزام بنصوصها؛ ومن ذلك "عدم جواز قتل المدنيين الإسرائيليين أو التعرض للمباني والمرافق الإسرائيلية العامة والخاصة والتي ليس لها علاقة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية" ومحاسبة من يفعل ذلك.

ولفت المستشار القانوني للمرصد الحقوقي الدولي الأنظار إلى أن الانضمام لهذه الاتفاقيات قد يضع قيوداً أمام حركة التحرر الفلسطينية في سعيها لانتزاع حق تقرير المصير، مشيراً إلى أن هذه القيود "قد لا تكون ملائمة مع وضعها كحركة تحرر وطني، إذ أن هذه القيود عادةً ما تكون موضوعة للدول. وإن أي تحرك فلسطيني مقاوم كان في اتجاه لا يتوافق مع المعايير الدولية؛ سيمثل عملاً تمارسه دولة ضد أخرى وستكون الدولة الفلسطينية مسؤولة عن منعه. بينما ذلك يخالف حقيقة الواقع القائم على الأرض، حيث دولة بدون سيادة فعلية ولا قدرة على اتخاذ قرارات سيادية حقيقية".

 عدم الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية

وبالرغم من تأكيدها على أهمية الخطوة الفلسطينية بالانضمام إلى هذه الاتفاقات والمعاهدات الدولية، تلفت ميرة بشارة، الباحثة في الدائرة القانونية في المرصد الأورومتوسطي، إلى أن هذه المعاهدات "لا تمكّن الجانب الفلسطيني من ملاحقة "مجرمي الحرب" الإسرائيليين على ما ارتكبوه ويقومون به من عمليات قتل ضد الفلسطينيين، والذين بلغ عددهم الشهر الماضي ثلاثة عشر، أمام المحكمة الجنائية الدولية".

وتقول بشارة في تصريحات لـ "قدس برس"، إن بعض الاتفاقيات الموقعة يمكن أن تمكّن الفلسطينيين من تحسين وضعهم للمطالبة بمحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين؛ كاتفاقيات جنيف واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز. ولكنها تضيف: "ليس من ضمن الاتفاقيات التي وقع عليها الرئيس عباس ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، والتي تعد الوسيلة الأنجع والأكثر فعالية في معاقبة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية من القادة الإسرائيليين".

 فرص سابقة

وذكّرت الباحثة بشارة أن فلسطين حصلت سابقاً على العديد من القرارات الدولية الهامة والمؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني وانضمت إلى العديد من الاتفاقيات، ولكن الإشكال تمثّل في أن الفلسطينيين أنفسهم لم يسعوا إلى استثمار هذه القرارات وتفعيلها دولياً وشعبياً بشكل سليم (قرار العدل الدولية بهدم جدار الفصل العنصري، نموذجاً)، كما توضح.

وتتابع القول: "دول العالم، والتي تجمعها هذه الاتفاقيات الدولية، لن تكون في النهاية ملكية أكثر من الملك. وهي في بعض المواقف - لسبب أو لآخر- قد لا تتصرف إزاء بعض الانتهاكات الكبرى لحقوق الإنسان والشعوب، وهنا يكون المطلوب من الشعوب أن تملك من الذكاء والشجاعة ما يجعلها تستطيع الجمع بين العمل الدبلوماسي القانوني والفعل النافذ على الأرض بما يضمن لها استرداد حقوقها ونيل حريتها، وستجد العالم يحترمها ويقف معها، أو على الأقل؛ لن يستطيع أن يعارضها".

 "انعكاس داخلي"

وبحسب الباحثة في المرصد الأورومتوسطي، يُفترض أن يؤثر قرار الانضمام إلى معاهدات دولية، كالعهدين الدوليين، واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل، على واقع حقوق الإنسان الفلسطيني، "ذلك أن هذه الاتفاقيات تسمو على القانون الفلسطيني، وبالتالي فإن السلطة الفلسطينية وأجهزتها المختلفة، لا سيما الأمنية منها، تصبح ملزمة بها، وفي حال انتهاكها فإن الاتفاقيات ذاتها تعالج أدوات الرقابة والمحاسبة الخاصة بكل منها. حيث تنص هذه الاتفاقيات على العديد من الحقوق الأساسية للإنسان، ومن ذلك حرية الرأي والتعبير، والتجمع السلمي، ومنع الاعتقال التعسفي، وضمان المحاكمة العادلة، وتجريم التعذيب".