جنيف – نظّم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ندوة افتراضية لمناقشة مخططات المملكة المتحدة والدنمارك الاستعانة بمصادر خارجية لـ"حماية" اللاجئين خارج الأراضي الأوروبية.
واستضافت الندوة التي جاءت بعنوان "الاستعانة بمصادر خارجية لحماية اللاجئين: خطة المملكة المتحدة والدنمارك لنقل اللاجئين إلى رواندا"، ثلاثة خبراء في مجال الهجرة وحقوق الإنسان وهم: كبيرة المحاضرين في علم الاجتماع بجامعة "شيفيلد" "لوسي مايبلين"، وأستاذة الهجرة الدولية في مركز الثقة والسلام والعلاقات الاجتماعية في جامعة كوفنتري "هيفين كراولي"، وكبيرة المستشارين القانونيين في المجلس الدنماركي للاجئين "كاميلا نيجارد بيرينغ".
وقال الخبراء إنّ الاتفاقية المبرمة في 14 أبريل/ نيسان 2022 بين المملكة المتحدة ورواندا، والتي سيُنقل بموجبها طالبو اللجوء الذين يصلون إلى المملكة المتحدة إلى رواندا من أجل معالجة طلباتهم واستضافتهم هناك، لا تتوافق مع قوانين اللاجئين وحقوق الإنسان ومكافحة الاتجار بالبشر، وترسّخ واقع العلاقات غير المتكافئة بين الدول، وتمثل أحد صور الاستعمار الجديد، حيث تقدم الدول المتقدمة المساعدات التنموية فقط مقابل تحمّل الدول الأخرى لعبء الهجرة.
وافتتحت النقاش الباحثة في شؤون الهجرة واللجوء في المرصد الأورومتوسطي، "ميكيلا بولييزي"، حيث قالت إن "صفقة المملكة المتحدة ورواندا ليست سوى الخطوة الأحدث، وبالتأكيد ليست الأخيرة، في عملية الاستعانة بمصادر خارجية خطيرة طويلة الأمد في أوروبا بأكملها، فقد شهدت هذه العملية تسارعًا مقلقًا في الآونة الأخيرة، تحت ضغط ما يسمى بـ "أزمة اللاجئين" أو ما يجب أن يسمى بـ "أزمة إدارة الهجرة الأوروبية".
وأضافت "أنّ هذه المحاولات لن تهدد حياة الباحثين عن ملاذ آمن في أوروبا وحقوقهم فحسب، بل ستهدد أيضًا نظام حماية اللاجئين العالمي، وتكرّس التصور السائد أنّ الدول الغنية والمستقرة في شمال الكرة الأرضية يمكن أن تدفع للدول الفقيرة للتخلص من التزاماتها ومسؤولياتها القانونية".
صفقة المملكة المتحدة ورواندا ليست سوى الخطوة الأحدث، وبالتأكيد ليست الأخيرة، في عملية الاستعانة بمصادر خارجية خطيرة طويلة الأمد في أوروبا بأكملها
ميكيلا بولييزي، باحثة في شؤون الهجرة واللجوء لدى المرصد الأورومتوسطي
من جانبها، قالت "هيفين كراولي" إنّ الصفقة بين المملكة المتحدة ورواندا ما هي إلا "تتويج، وربما ليس نهاية، لتاريخ من التدابير السياسية داخل المملكة المتحدة لردع وصد المهاجرين وخلق بيئة معادية وطاردة لهم".
وذكرت أنّ "هذه السياسات بدأت منذ عدة عقود، وتستهدف بشكل خاص المهاجرين الذين يدخلون المملكة المتحدة بشكل غير نظامي، مع العلم بأنّه لا توجد تقريبًا طريقة لطلب اللجوء بشكل منتظم في البلاد".
وأوضحت "كراولي" أنّ الغالبية العظمى من اللاجئين يتم استضافتهم في جنوب الكرة الأرضية، وأنّ غالبية الأشخاص الذين يصلون إلى المملكة المتحدة عبر القناة الإنجليزية (نحو 61%) يتم الاعتراف بهم بالفعل كلاجئين.
وأشارت أيضًا إلى أن الظروف التي يواجهها اللاجئون في رواندا قاسية، "فرغم أنها تتمتع بمعدل نمو اقتصادي مرتفع للغاية، لكن الثروة هناك لا يتم توزيعها بشكل عادل، إذ قالت إنّها عملت مع لاجئين كونغوليين لمدة 20 عامًا وكانوا يعيشون "بدون كهرباء ويحصلون على فرص عمل قليلة جدًا".
بدورها، قالت "كاميلا نيجارد بيرينغ" إنّها شاركت خلال عملها في المجلس الدنماركي للاجئين في اجتماعات مع الوزراء الدنماركيين المسؤولين عن التغييرات السلبية في قانون الأجانب الدنماركي، لكنهم لم "يقدموا أي إجابات حول كيفية ضمان الاعتناء بشكل لائق بطالبي اللجوء في الدول الثالثة.
وقالت إنّ الخطة الدنماركية –مشابهة لخطة المملكة المتحدة- غير مجدية على الإطلاق، لأنّ البلاد ما تزال ملزمة باتفاقيتي "دبلن" و"يوروداك"، ولأن أعداد اللاجئين في الدنمارك منخفضة جدًا، لذا "من الصعب حقًا فهم لماذا لا يجب على الدنمارك استضافة طالبي اللجوء".
من جهتها، قالت "لوسي مايبلين" إنّ "الهدف من الخطة الجديدة هو معاقبة الأشخاص لردع غيرهم عن الهجرة أو طلب اللجوء في المستقبل"، غير أنّ هذا السلوك أثبت فشله على مدى عدة عقود في أماكن مختلفة من العالم".
ووصفت "مايبلين" الموقف الحالي أنّه "تطبيع وإضفاء للشرعية على الممارسات الاستبدادية وغير الليبرالية".
وأوضحت أنّ الإمبراطورية البريطانية كانت عدائية تجاه الشعوب المستعمرة وحقوق الإنسان واللاجئين في البداية، إذ إنهم "تخيلوا تسلسلاً هرميًا للإنسانية حيث يكون بعض البشر فقط هم من يستحقون الحصول على لحقوق الإنسان، وتكون حياة بعض الأرواح أكثر أهمية من غيرها".
وبيّنت أنّ منطق الإنسانية التفاضلية هذا لم يأت من فراغ بل "نشأ خلال ما يقرب من 500 عام من الاستعمار"، لذلك كانت المملكة المتحدة تحاول بلا هوادة طوال العامين الماضيين العثور على مكان آخر، جزيرة أو أرض أجنبية، لوضع طالبي اللجوء في مكان ما خارج أراضيها.
وقالت إنّ "هناك شعور واضح بالإحباط، شعور بأن بريطانيا تمتلك العالم، وفكرة أنه "لماذا لا يمكننا وضع الأشخاص غير المرغوب فيهم حيث نحب؟" [من وجهة نظر الحكومة البريطانية]"
وأجمع المشاركون على وجود تحوّل خطير نحو إطار حقوق الإنسان الانتقائي، إذ لم يعد كافيًا أن تكون مجرد بشر كي تتمتع بحقوق الإنسان، ولكن يجب أن يكون لديك شيء آخر مثل الجنسية أو الجنس أو الدين أو أي حالة أخرى، وأصبح شعار المرحلة الحالية هو "أخبرني من أنت، سأخبرك ما حقوق الإنسان التي ستتمتع بها".
وأكّدوا أنّ هذه السياسة أصبحت واضحة، لا سيما في إطار اللجوء والهجرة، حيث "يتم تداول اللاجئين في أوروبا بشكل متزايد مثل السلع، وتحويلهم إلى بيادق، دون أي شعور بالمسؤولية عن مصيرهم ورغباتهم".