في الوضع الطبيعي، وبالنسبة لامرأة تتمتع بكافة أسباب الرفاهية والأمان، تبقى تجربة الحمل والولادة إحدى أكثر التجارب التي تمر بها في حياتها صعوبة وحساسية. فإلى جانب الألم الجسدي والنفسي المهول الذي يرافق تلك التجربة، فإنها تمر بتغيرات جسدية وتحديات نفسية كبيرة مصحوبة بهواجس مرتبطة بسلامة الطفل وسلامتها الشخصية في آن. وعلى الرغم من تطور العلم والتكنولوجيا في هذا المجال بشكل غير مسبوق، إلا أن الخوف من أي طارئ غير محسوب يظل حاضرًا في معظم الأحيان.

تلك الهواجس تبقى مبررة إلى حدٍّ كبير؛ فبحسب يونيسيف، تموت 800 امرأة يوميًا حول العالم بسبب مضاعفات مرتبطة بالحمل، كما يولد 7,000 جنينًا متوفيًا يوميًا، نحو نصفهم كانوا أحياء عند بداية عملية الولادة، فيما يتوفى 7,000 طفل رضيع خلال الشهر الأول من الحياة.

هذه الأرقام مرعبة بالفعل، لكن الأكثر رعبًا هو أن تخوض امرأة تجربة الحمل والولادة في منطقة حرب، في وضع غير آمن، وفي ظروف تفتقر إلى أدنى مقومات الصحة والنظافة والسلامة الشخصية. وفي الوقت الذي تتضاعف فيه الأزمات الإنسانية ويزداد عدد الأشخاص الذي يحتاجون إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة، تبقى صحة المرأة وحقوقها الإنجابية في أدنى سلم الأولويات.

   أكثر من نصف عمليات الولادة في اليمن تجري على يد أشخاص غير متخصصين، الأمر الذي يتسبب بحالات وفاة أو مضاعفات تؤثر على الأم والجنين خلال وبعد الولادة   

هذه الحقيقة تدفعنا إلى الحديث عن هذا النوع الخاص من الانتهاكات التي تواجهها النساء بمفردهن تمامًا؛ بسبب طبيعتهن الجسدية وتركبيتهن البيولوجية التي تختلف عن الرجال، فإلى جانب الإصابات والاعتداءات الجسدية التي يتعرض لها كلا الجنسين خلال النزاعات المسلحة بدرجات متفاوتة، فإن المرأة وحدها تتحمل عبء الإهمال والعنف المرتبط بالحمل والولادة أثناء الاضطرابات السياسية والأمنية والأزمات الإنسانية.

حمل ثقيل

عام 2016، أوصت منظمة الصحة العالمية النساء الحوامل بزيارة الطبيب ثماني مرات خلال فترة ما قبل الولادة، كي يحصلن على الرعاية اللازمة التي تشمل قياس ضغط الدم وتلقي المكملات الغذائية واختبارات البول والدم والتطعيم والخضوع للفحص عبر الموجات فوق الصوتية. لكن في الوقت الذي تعجز فيه غالبية النساء في مناطق النزاع من تلقي الرعاية الصحية اللازمة فيما يتعلق بالأمراض المزمنة أو الإصابات الخطرة، فإن زيارة الطبيب لثماني مرات لأجل الاطمئنان على صحتها وصحة الجنين خلال فترة الحمل يعد شيئًا من الرفاهية بالنسبة لكثيرات.

ففي العديد من المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، بما في ذلك سوريا واليمن وليبيا والعراق، تضطر نسبة كبيرة من النساء إلى تقليل أو إلغاء زيارات الطبيب خلال فترة الحمل لعدة أسباب تتعلق بمحدودية أو انعدام فرص الحصول على سرير أو علاج مناسب لحالتها الصحية -سواء البدنية أو النفسية- نتيجة اكتظاظ المستشفيات بضحايا الحروب. إلى جانب ذلك، فإن  صعوبة الوصول إلى المراكز الصحية نتيجة العمليات العسكرية وكل ما يصاحبها من عنف يشمل الاعتقال والاختطاف والاعتداء وحتى القتل المباشر يحول دون محاولة العديد من النساء الخروج من منازلهن للمتابعة الطبية. 

وفي كثير من الحالات، إن حالف الحظ بعض النساء الحوامل واستطعن الوصول إلى مراكز صحية في منطقة نزاع معينة، فإنه ليس هنالك ما يضمن أنهن سيتمكن من تلقي الرعاية المطلوبة. ففي غالب الأحيان، تواجه المراكز الصحية نقصًا حادًا بالكوادر الطبية، إما لوقوع الأطباء المتخصصين أنفسهم ضحايا للعنف الدائر، أو لأنهم اضطروا إلى الفرار خوفًا على حياتهم. وعلى من الرغم من أن المرافق الصحية تندرج تحت بند الأعيان المدنية، إلا أنها تبقى في كثير من الأحيان عرضة للاستهداف.

لكن في حالات أخرى، فإن ضعف الخدمات الطبية المقدمة وصعوبة الوصول إلى المراكز الصحية ليسا السببين الوحيدين في الحيلولة دون حصول النساء الحوامل على الرعاية اللازمة. فتدهور الوضع المعيشي وانعدام الأمن الغذائي يجبر الأم أو المرأة الحامل في كثير من الأحيان على التخلي عن احتياجاتها الغذائية والعلاجية كي لا تزيد من الأعباء المالية على أسرتها، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى إصابتها بمشاكل صحية قد تفقدها حياتها أو حياة جنينها أو رضيعها. وفي أفضل التقديرات، قد ينتهي الأمر بإصابتها بأمراض مزمنة أو إصابة الرضيع بالتشوه أو التقزم.

نهايات حزينة

تواجه النساء في اليمن أحد أكثر أشكال الواقع حزنًا، خاصة حينما يتعلق الأمر بحقهن في السلامة الشخصية وتلقي الرعاية الصحية خلال فترات الحمل والولادة. فقبل اندلاع الحرب، كانت الأمهات اليمنيات تعانين من أحد أعلى معدلات الوفيات في العالم. 

اليوم، ومع مرور نحو ثمانية أعوام على الأزمة، فقد فاقمت الحرب والأزمة الإنسانية التي تُوصف بأنها الأسوأ في العالم من معاناة الأمهات الجدد والنساء الحوامل، إذ تجرى أكثر من 50% من عمليات الولادة على يد أشخاص غير متخصصين. إلى جانب ذلك، تحتاج ما تقدر بنحو 8.1 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب في اليمن إلى المساعدة في الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، ومن بينهن 1.3 مليون امرأة ستلد في عام 2022، ومن المتوقع أن تصاب 195,000 منهن بمضاعفات تتطلب مساعدة طبية لإنقاذ حياتهن وحياة أطفالهن حديثي الولادة، بحسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان.

يفاقم ذلك الواقع حقيقة أن نصف المرافق الصحية فقط في اليمن تعمل بكامل طاقتها، فيما فقدت 35% من مراكز وعيادات الصحة الإنجابية قدرتها على العمل، عدا عن أنها تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات والكوادر البشرية.

وفي الوقت الحالي، يعيش أكثر من 20 مليون شخصًا في اليمن دون إمدادات غذائية منتظمة، وتعتبر النساء الحوامل والأمهات المرضعات والأطفال الفئات الأكثر عرضة لخطر سوء التغذية، وفي حال استمرت هذه الأزمة دون معالجة، فإنه من المتوقع أن تكون ما لا تقل عن مليوني امرأة حامل للموت.

مسألة حياة أو موت

تشوب المساعدات الإنسانية العديد من المشاكل التي تتراوح ما بين سوء التوزيع والإدارة والجودة والفساد وغيرها من العراقيل التي تفاقم الأزمات الإنسانية أو تطيل أمدها. 

ومؤخرًا، أدت فجوات التمويل وما تلاها من انخفاض أو انقطاع في المساعدات إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية للسكان في اليمن. فمع حلول نهاية يوليو/تموز الماضي، تلقت خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2022 مبلغ 1.24 مليار دولار، أي 29٪ من المبلغ المطلوب البالغ 4.27 مليار دولار، لتوفير المساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح وخدمات الحماية لـ 17.9 مليون شخص، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (الأوتشا).

بمعنى آخر، تلقت بعض القطاعات الحيوية ربع التمويل المطلوب فقط، فيما ظلت عدة قطاعات أخرى تعاني من نقص التمويل بشكل لافت، فقد أغلقت العديد من البرامج الضرورية، بما في ذلك برامج دعم صحة الأم والطفل والخدمات المتعلقة بحمايتهم اجتماعيًا ونفسيًا، حيث احتاج صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى حوالي 100 مليون دولار أمريكي للاستمرار في تقديم خدمات الصحة الإنجابية المنقذة للحياة لنحو 1.3 مليون امرأة يمنية في 2022، إلا أنه لم يتلق سوى ثلث التمويل المطلوب.

وبالتالي، سيظل الموت القاعدة العامة بين الأمهات الجدد والحوامل وأطفالهن في اليمن، على الرغم من أن معظم تلك الوفيات كان من الممكن الوقاية منها في حال كان الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية ممكنًا.

وإن لم يكن إيقاف الحرب أمرًا مرهونًا بإرادتنا، فيمكن على الأقل جعل احتياجات النساء جزءًا لا يتجزأ من الاستجابة الإنسانية، وتحديدًا بما يتعلق بالصحة الإنجابية، من خلال إبقاء الدعم المادي للسكان وللمرافق الصحية مستمرًا. 

هذه مسألة لا ترتبط بحقوق المرأة فحسب، وإنما تتعلق أيضًا بصحة وسلامة الأجيال القادمة التي من شأنها أن تؤسس وتقود مجتمعات الغد، إذ لا تؤثر الحروب والصراعات على صحة ونفسية الأشخاص الذين يختبرونها بشكل مباشر فقط، وإنما تنتقل إلى الأطفال حتى قبل ولادتهم، وإن لم نلتفت مبكرًا لهذه الأزمة، فإننا سنكرر الحاضر ولكن بألوان أكثر قتامةً.