بالتزامن مع استمرار عمليات الاعتقال اليومية والتي لم تتوقف منذ بدء الأحداث في سوريا في آذار (مارس) 2011، تتصاعد بالتوزاي أعداد المختفين قسرياً، والذي تتعدد الأطراف المسؤولة عنه أو التي تمارسه في سوريا بسبب تعدد السلطات المسيطرة على الأراضي فيها، غير أنه ولما كانت القوات الحكومية تمتلك العدد الأكبر من المعتقلين تعسفياً، فهي تعد مسؤولة عن قرابة 94% من جرائم الإخفاء القسري، مقابل الأطراف الأخرى التي تمارس نفس الانتهاك، وهي: قوات "الإدارة الذاتية" الكردية، وما يُعرف باسم "تنظيم الدولة الإسلامية – داعش"، وفصائل المعارضة المسلحة.
ويمثل "الاختفاء القسري" ألماً مستمراً للمختفي -إن ظل حياً- ولعائلته، منذ اللحظة الأولى لمأساة الاختفاء، والتي يأخذ غالباً صورة أن يُعتقل الشخص، من بيته أو من الشارع، من قبل مجموعة من المسلحين، ربما بزي عسكري، أو حتى بزي مدني، وغالباً دون الإفصاح عن هويتهم، ودون إبداء أية أسباب، أو إبراز إذن بالقبض، ليختفي بعدها هذا الشخص الذي تم اعتقاله، رجلاً كان أو امرأة، من حياة ذويه وعائلته وأحبته ومجتمعه، حيث يتم إنكار وجوده في عهدة أي من الجهات المسؤولة، أو يتم رفض الكشف عن مكان وجوده أو الإدلاء بأي معلومة عنه، وهو ما يمثل، قانونياً وأخلاقياً، جريمة ضد الإنسانية، بكل ما للكلمة من معنى.
وفي التعريف القانوني للاختفاء القسري، والذي تضمنته المادة (2) من "الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري"، فهو يعني "الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون".
وعلى الرغم من أن هذا التعريف يقصر الاختفاء القسري على ذلك الذي تمارسه الدولة أو المجموعات التابعة لها، إلا أننا في هذا التقرير نوثق لجميع حالات الاختفاء القسري، حيث هناك قوات أصبحت بحكم الأمر الواقع تقوم مقام السلطات الحاكمة، كما هو الحال في "تنظيم داعش" و"النصرة"، وقوات "الإدارة الذاتية" الكردية، التي تتبع بشكل رئيس لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي"، إضافة إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، وقد مارس هؤلاء جميعاً عمليات اعتقال متفاوتة، أخذ البعض منها صورة الاختفاء القسري.
وبشكل عام، وفي الواقع المضطرب الذي يسود الأراضي السورية حالياً، نجد أن من النادر أن يتم احتجاز أحد سنداً لمذكرة اعتقال أو حتى بتقديم سبب لهذا الاحتجاز، بل إن أغلب حالات الاحتجاز تتم من داخل غرف النوم في المنازل وبعد خلع الأبواب وتخريب المنزل، أو عبر الحواجز في الطرقات، أو من الشوارع، وهو ما يبدو أن السلطات تتعمده كي لا تُبقي دليلاً يُشير إلى مسؤوليتها عن عمليات الاعتقال تلك، وما يتبعها من تعذيب وعنف جنسي.
وتؤكد السجلات والتوثيقات لدينا أن بعض الحالات انقضى على اختفائها أكثر من أربع سنوات، أي منذ بدء الأحداث في سوريا في العام 2011، كما أن اتساع رقعة الإخفاء القسري وامتداده زمنياً يرسم تصوراً صارخاً عن طبيعة عمل شبكات ومجموعات ظلامية تنتشر في طول الأراضي السورية وعرضها، وقد أصبح لهذه الشبكات مراكز احتجاز سرية تابعة لها بمعزل عن مركزية السلطات الحاكمة، وهي تحمل في معظمها صبغة طائفية. وقد دفعت تصرفات السلطات الحاكمة الميليشيات التابعة لها لتكون أكثر تطرفاً وإجراماً بأضعاف كثيرة.
ويهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على هذا الجزء المظلم من الانتهاكات التي تطال المدنيين السوريين، لا سيما أن جريمة "الاختفاء القسري" تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتعد من الجرائم التي "لا تسقط بالتقادم"، ونأمل أن يمثل هذا التقرير، بجانب غيره من التقارير، صرخة تحرّك دول العالم، ولا سيما مجلس الأمن، باتجاه اتخاذ قرارات فعالة تؤدي إلى إنهاء هذه المعاناة المستمرة.
لتحميل التقرير كاملا: هنـا